للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُقدِم على تغييرها عما اتفق عليه الصحابة، خصوصًا في تلك المدة، والصحابة رضي الله عنهم أحياء، وفي التابعين أئمة فضلاء.

والتغيير الذي وقع في إمارة عمر بن عبد العزيز إنما هو بناء الجدار للاضطرار، ولم يثبت تغيير في هيئة القبر، ولا ضرورة تدعو إليه، ولو احتيج إلى إصلاح زالت به الهيئة الأولى، لما أُرْجِعَ إلا بنحوها. وحسبك بعمر بن عبد العزيز علمًا وورعًا ودينًا، وهو يومئذٍ حاضرٌ وهو الأمير، ولا بد أن يكون استشار من هنالك [ص ٤١] من العلماء، وعمل بمشورتهم (١).

وقد مرّ أن عمل الصحابة الذي اتفقوا عليه ولا معارض له حجة.

الخلاصة: التسنيم مشروع.

حديث الشعبي: "رأيت قبور شهداء أُحد جُثًى مسنَّمة".

قال في "اللسان": "في حديث عامر: رأيت قبور الشهداء جُثى: يعني: أتربة مجموعة، وفي الحديث الآخر: فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوةً من تراب" اهـ.

ظاهره أنه رأى قبور شهداء أحد كلها كذلك، وهي كثيرة يبعد كلَّ البعد أن تُغيَّر كلُّها عما جُعِلَت عليه بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يتفق [ص ٤٢] الصحابة على تغييرها، أو التقرير عليه، فلو كان قبرًا واحدًا أو


(١) قال ابن عبد البر في "الاستذكار": (٩/ ١٠١): "ومعلوم عند جماعة العلماء أن عمر ابن عبد العزيز كان لا يُنفذ كتابًا، ولا يأمر بأمر، ولا يقضي بقضية إلا عن رأي العلماء الجِلة ومشاورتهم، والصدر عما يجمعون عليه ويذهبون إليه، ويرونه من السنة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه المهتدين بهديه المقتدين بسنته، وما كان ليُحْدِث في دين الله ما لم يأذن الله له به مع دينه وفضله" اهـ.