فإن قيل: قد يثبت عنده السماع من طريق فيها من لا يوافق على توثيقه.
قلت: هذا خلاف الظاهر، بل الغالب على الظن أنه قد ثبت لديه من طريق متفق على تصحيحها، وإلا لأبرزها.
نظير ما قالوه في سفيان بن عيينة: أنه لا يدلس إلا عن ثقة، مثل الثقة الذي صرح به، ولكن مع هذا كله لا يزال في النفس شيءٌ، خشية أن يكون خَفِي على صاحب الصحيح كون ذلك المعنعن يدلِّس، أو خَفِي عليه جرح في بعض رجال الطريق التي ثبت لديه فيها التصريح بالتحديث، أو نحو ذلك.
إلا أنه على كل حال إذا كانت عنعنة المدلس في الصحيح يكون الظن بثبوت السماع أقوى مما لو كانت في غير الصحيح.
[٦٤] ٢ - وأما ما نقلناه عن "الفتح" في شأن القطان، فهو لا يتناول هذا الحديث؛ لأنه إنما التزم عدم رواية ما عنعنه مدلس، ولم يثبت له سماعه في روايته عن زهير عن أبي إسحاق، والمدلِّس أبو إسحاق، وفيما رواه عن سفيان، والمدلِّس سفيان، وحديث الباب من روايته عن سفيان عن حبيب، والمدلس حبيب.
لكن قد ثبت عن القطان التحرز عن أن يقع منه ما فيه رائحة من تدليس، وثبت بما هنا احتياطه أن لا يروي عن شيخه سفيان إلا ما صح سماع سفيان له، وأن لا يروي عن شيخه زهير عن أبي إسحاق إلا ما صح سماع أبي إسحاق له، فكان في هذا ما يدلّ على احتياط الرجل في الجملة، فيقوى ظن السماع فيما رواه عن سفيان عن حبيب.