للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجرته منه) ١.

ولا يخفى أن الملدّ تسبب بلدده في إتلاف أجرة العون على خصمه فوجب غرمها عليه، ولزمه مع ذلك الأدب لاقتحامه معصية الله تعالى بلدده، لأنّه ظالم كما ترى.

إلاّ أنّ الشافعي في ذلك القول القديم: يجعل محل الأدب غرم المال للحديث المتقدّم، وهو ما اختاره النووي، وبهذا يتمّ استشهادهم بالحديث الكريم على العقوبة بالمال، فالحجة به قائمة على منكر جوازها، وبه يردّ ما حكاه ابن رشد: من الاجماع على نسخ جوازها، لأنّه قال في غير ما موضع من "بيانه": (أنّها أي: في العقوبة بالمال منسوخة بإجماع) ٢.

وردّه ابن قيم الجوزية ٣ بقوله: (من قال: أنّ العقوبة بالمال منسوخة، فقد


١ - نقله السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": ٢/ ٤٢٩.
٢ - قال ابن رشد: (ان الإمام مالك لا يرى العقوبات في الأموال، لأن العقوبات في الأموال أمر قد كان في أول الإسلام، من ذلك ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مانع الزكاة: "أنا آخذوها منه وشطر ما له عزمة من عزمات ربنا" و"ما روي عنه في حريشة الجبل: أن فيها غرامه مثليها وجلدات نكال". "وما روى عنه: من أن سلب من أخذ وهو يصيد في الحرم لمن أخذه"، كان ذلك كلّه في أول الإسلام، وحكم به عمر بن الخطاب، ثم انعقد الاجماع بأن ذلك لا يجب، وعادت العقوبات على الجرائم في الأبدان). (البيان والتحصيل: ١٦/ ٢٧٨ "كتاب الحدود": ٩/ ٣١٧ - ٣١٨ "كتاب السلطان".
ونقل السجلماسي- أيضاً- عن مؤلف كتاب "المغارسة" ما قاله ابن رشد- حين تكلّم عن هذا الحديث- من وجدتموه يصيد في حرم المدينة .... - من "العتيبة": (أن هذا الحديث ضعيف وعلى تقدّم صحته، فانه كان في صدر الإسلام حين كانت العقوبة مشروعة، فكل ذلك منسوخ بالاجماع على أن العقوبة على الجرائم إنما تكون في الأبدان ولا تكون في الأموال) ثم نقل- أيضاً- ما قاله أبو العباس الونشريسي في كتابه: "عدة الفروق": (والعقوبة بالمال إنما كانت في صدر الإسلام ثم نسخت، وحكى ابن رشد اجماع الأمة على نسخها. (شرح نظم عمل فاس: ٢/ ٤٢٥).
٣ - أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، شمس الدين: الداعية المصلح، العالم الجليل، تلميذ ابن تيمية، وهو الذي هذّب كتبه، ونشر علمه، وسجن معه في قلعة دمشق، ألف تصانيف كثيرة منها: "إعلام الموقعين- ط"، و"الطرق الحكمية في السياسة =

<<  <   >  >>