للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشروع، لكثرة الفساد وإنتشاره- كما مر-

ومن السياسة في استجلاب إقرار المتهم، ما ورد: أن عليًّا- رضي الله عنه- شكى إليه شاب، بنفر من الناس، فقال: إنّ هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر، فعادوا ولم يعد أبي، فسألتهم عنه؟ فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئاً- وكان معه مال كثير- فارتفعنا إلى القاضي، فاستحلفهم، وخلّى سبيلهم.

فدعا عليّ- رضي الله عنه- بأعوانه: فوكّل بكل رجل منهم رجلين، وأوصاهم ١ أنْ لا يمكنوا بعضهم يدنوا من بعض، ولا يمكّنون أحداً يكلّمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم، فقال له: أخبرني عن أبي هذا الفتى، في أيّ يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزل معكم ٣ وكيف كان سيركم ٣ وبأيّ علّة مات؟ وكيف أصيب لماله ٢؟، وسأله: عمن غسله، ودفنه؟ ومن تولّ الصلاة عليه؟ وأين دفن؟، والكاتب يكتب.

ثم كبّر علي- رضي الله عنه- وكبّر الحاضرون معه، والباقي من التهمين، لا علم لهم، عن ماذا يسأل صاحبهم، وماذا يقول!، إلاّ أنّهم ظنّوا: أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم، لكونهم ينظرون إليه، ولا يسمعون كلامه.

ثم دعا الآخر بعد أنْ غيب الأول عن مجلسه، ثم سأله كما سأل صاحبه، ثم غيّبه، وطلب الآخر وسأله، والكاتب يكتب، كل ذلك حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد يخبر بضدّ ما أخبر به صاحبه، (ثم أمر بردّ الأول، وقال له: يا عدوّ الله!: قد عرفت غدرك وكذبك ممّا سمعت من أصحابك، ولا ينجيك من العقوبة إلاّ الصدق) ٣ ثم أمر به إلى السجن، وكبّر وكبّر الحاضرون.

فلما أبصر الباقي من المتهمين حاله، لم يشكوا أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم، ثم


١ - في "الأصل" (وأوصى).
٢ - في "ب" (ماله).
٣ - ساقطة من "ج".

<<  <   >  >>