للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحرالّى ١ - بعد كلام-: (فمن لم يتحمّل الصبر الأول على الجهاد، أخذ بأمور هي بلايا في باطنه تجاوزها الخطاب، فانعطف عليها، قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} ٢، فالجوع: فراغ الجسم عمّا به [٢٩/أ] قوامه، لفراغ النفس عن الأمان الذي هو لها قوام، فأفقدها القوامين في ذات نفسها بالخوف، وفي بدنها بالجوع لمّا لم تصبر على كدّ الجهاد، وقد كان ذلك الصبر عليه أهون من الصبر على الخوف والجوع.

وإنما كان أول نائلهم من هذا الابتلاء الخوف، حيث خافوا الأعداء على أنفسهم فجاؤوهم إلى مواطنهم- فمن لم يمش إلى طبيبه ليستريح جاء الطيبيب لهلاكه- وشتّان بين خوف الغازي ٣ للعدوّ في قصره وبين المحصر ٤ في أهله، وكذلك شتّان بين أرزاق ٥ المجاهد وتزوّده" - " وخير الزاد التقوي- " ٦ في


١ - في جميع النسخ (المحرالي) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو: أبو الحسن، علي بن أحمد بن الحسن الحرالي التجيبي: المفسر، المغربي، الصوفي، أطال "الغبريني" في الثناء عليه وإراد أخبارة، وقال: (ما من علم إلاّ له فيه تصنيف)، وقال الذهبي: (كان فلسفي التصوّف، ملأ تفسيره بحقائقه ونتائج فكره وزعم أنّه يستخرج من علم الحروف وقت خروج الدجال) من كتبه: "مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل" و"المعقولات الأول" في المنطق، و"الوافي" وغيرها. مات بحماة (سنة ٦٣٨هـ).
(الغبريني- عنوان الدراية: ٨٥ - ٩٧، الذهبي- ميزان الاعتدال: ٢/ ٢١٨، المقري- نفح الطيب: ١/ ٤١٧، الزركلي- الأعلام: ٤/ ٢٥٦ - ٢٥٧، وجاء في هامشه: وقد وردت نسبته في كثير من المصادر بلفظ "الحراني" وهو تصحيف).
٢ - سورة البقرة / آية ١٥٥، وتمامها: {وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
٣ - أي: المجاهد الذي يغزو الأعداء في عقر دارهم، والذي ربما تنتابه هواجس الخوف من الأعداء عندما يشتدّ الوطيس.
٤ - هو: المحاصر الذي ضيّق عليه الأعداء، وأحاطوا به في عقر داره. (الرازي- مختار الصحاح: ١٠٦).
٥ - في "الأصل" (ازارة) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".
٦ - أورده الزبيدي في "اتحاف السادة المتقين بشرح أحياء علوم الدين": ٨/ ٤٤٨، وعزاه للبيهقي من طريق الثوري عن ابن عباس، بزيادة: "ورأس الحكمة مخافة الله عزّ وجلّ". =

<<  <   >  >>