للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الروم فيها، فاقتتلوا ثلاثة أيام، وكان على الجيش رجل يقال له: "تدمير" ١، فكتب تدمير إلى ملكه "لذريق" ٢ يعلمه: "بأنهم قوم لا يدري من أهل الأرض هم، أم من أهل السماء؟ - قد وصلوا إلى بلادنا- وقد لقيتهم- فانهض إليّ أنت بنفسك! ".

فأتى لذريق في تسعين ألف عنان ٣، فاقتتلوا ثلاثة أيام- أشدّ قتال- فرأي طارق: ما الناس فيه من الشدّة!، فقام يحرّضهم على الصبر، ويرغّبهم في الشهادة، ثم قال: "أين المفرّ؟ البحر من ورائكم، والعدوّ أمامكم، فليس إلاّ الصبر منكم، والنصر من ربّكم، وأنا فاعل شيئاً، فافعلوا كفعلي، والله لأقصدنّ طاغيتهم: فإمّا أن أقتله، وإما أن أقتل دونه!.

فاستوثق من حلية ٤ لذريق، وعلامته وخيمته، ثم حمل عليه مع أصحابه حملة


١ - هو: قائد من قواد الملك "لذريق"، وإليه تنسب بلاد "تدمير" بالأندلس وهي: "مرسية" وما والاها، وهي خمسه مواضع تسمّى بهذا الاسم. (ابن خلكان- وفيات الأعيان: ٥/ ٣٢١).
٢ - هو الملك السابع والعشرين من ملوك اليونان الذين حكموا الأندلس وآخرهم، وهر صاحب مدينة "طليطلة"، سقط حكمه فيها بعد أن فتحها المسلمون على يد طارق بن زياد (سنة ٩٤هـ)، وهو الذي فتح (بيت الحكمة) الذي أسسه ملوك اليونان لوضع الطلسمات لتخويف البربر، وكان عليه ستة وعشرون قفلاً لكل ملك قفل منها، فرأي فيه مائدة عظيمة وعليها مكتوب: مائدة سليمان بن داود- عليهما السلام-، وتابوتاً عليه صور فرسان مصوّرة على أشكال العرب، وعليهم الفراء وهم معمّمون على ذوائب جعد ومن تحتهم الخيل العربية، ووجد كذلك رق مكتوب فيه: (متى فتح هذا البيت وهذا التابوت المقفلا بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التابوت إلى جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان من أيديهم) فندم لذريق على ما فعل وتحقّق انقراض دولتهم. (ابن خلكان- وفيات الأعيان: ٥/ ٣٢٧ - ٣٢٨).
٣ - العنان: هو سير اللجام الذي تمسك به الدابة، وجمعه: أعنّة. (المعجم الوسيط: ٢/ ٦٣٩).
٤ - أي: صفته. (الرازي- مختار الصحاح: ١١٦)، وقد تكون (خيمته) كما ثبت في "سراج الملوك ": ١٧٨.

<<  <   >  >>