للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حصل للرسول من المرسل إليه مؤانسة وإحسان- والقلوب مجبولة على حبّ المحسن فقد يتولّد من ذلك: عدم إقدامه عليه بالكلام، حياء منه، وترك مقابلته بما يكره، وفاء له، ومداهنة ١ له في الجواب- حيث لا تليق المداهنة- فيحصل من ذلك خلل لا يخفى، فإن الإحسان يقيّد اللسان، وربما يتولّد من ذلك صداقة تؤدي: إلى أن يصير بطانة ٢ للعدوّ عند من أرسله، فيضره من حيث لا يشعر) ٣.

وكم من دولة: كان سبب زوالها، خيانة رسولها واستمالة قلبه- كما تقدّم- فإذا اختلفت الرسل، كان ذلك أوثق لنيل ما يرومه ٤ - اللهم-: إلاّ [٣٤/أ] أن يكون الرسول ممّن به ثقة- لا يداخلها شكّ- ولا ارتياب- فإن تكرر دخوله عليه.

ومن أعظم المكائد في الحروب- كما للطرطوشي، وابن النحاس، وغيرهما-: (الكمين- ولا تحصى كثرته وتعدّده- فان قدر على أن يجعل منه ثلاثة كمائن أو أكثر فليفعل، وهو: وان كان من عدد يسير، فانه إذا ظهر: أثر في القلوب رعباً، وفي الأعضاء ضعفاً، وفي العقل خموداً ٥، وفي الاقدام وقفة، ولا يدوم اقبال مقاتل- على خصمه، إلاّ إذا كان آمناً من ورائه، ومتى جوّز أن يؤتى من خلفه تشتّتت همّته بين الدفع والقتال، وضعف جأشه عن مقاومة الرجال. وكم من عسكر: استبيحت بيضته ٦، وقلّ عزمه،


١ - من "دهن" أي: نافق. (الزاري- ترتيب القاموس المحيط: ٢/ ٢٢٦).
٢ - البطانة: هو صفي الرجل يكشف له عن أسراره، ويقال: "بطانة الثوب": ما يبطن به، وهى: خلاف ظهارته. (ابن منظور- لسان العرب: ٣٠٤، المعجم الوسيط: ١/ ٦١).
٣ - نقل نحوه الهروي فى "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": ٧٥ - ٧٦، "في صفة الرسول الذي يرسله".
٤ - أي: يظلبه، يقال: "رام الشيء" طلبه. (الرازي- الصحاح: ٢١٠، المعجم الوسيط: ١/ ٣٨٥).
٥ - أي سكوناً، ويقال: "خمد فلان خموداً" أي: سكن. (المعجم الوسيط:١/ ٢٥٤).
٦ - "البيضة": الخوذة الحديدية التي يلبسها الجنود والضباط في الحرب وفي التدريب الإجمالي ونحوهما. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: ١/ ١٠٣).

<<  <   >  >>