للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال "ابن عرفة": (كرّه علماؤنا المهادنة على أن يعطينا أهل الحرب مالاً كل عام، ولقد طلب الطاغية ذلك من "عبد الله بن هارون"، على أن يعطوه مائة ألف دينار كل عام، فشاور الفقهاء في ذلك، فقالوا له: "الثغور اليوم عامرة فيها أهل البصائر بالقتال أكثرهم من البلدان، إن قطع عنهم الجهاد تفرّقوا، وخلت الثغور للعدوّ، والذي يصيبه أهل الثغور منهم أكثر من مائة ألف" فسرّ بذلك، ورجع إلى رأيهم) ١ اهـ.

فانظروا- أيّدكم الله-!: كيف احتال العدوّ، وسمح باعطاء المال، لأجل أن يتفرّق من الثغور أهل البصائر بالقتال، ويسكن الناس إلى الراحة، فلا يقدرون على مقاومته بعد ذلك لعدم ممارستهم للقتال؟!.

وانظروا: كيف كرّه العلماء تلك المهادنة مع أخذ المال من العدوّ، مع وجود العدّة والعدد، فكيف بها مع عدم ذلك كلّه؟! ٢.

هذا كله: في حكم المهادنة إن كان العدوّ مطلوباً في أرضه.

وأما ان كان العدوّ طالباً- كما في تلك الناحية وغيرها من الأقطار-: فقال في "المعيار": (لا يجوز الصلح والهدنة بحال، وإن وقع وجب نقضه، لأن العدوّ حيث نزل أو قارب النزول فالجهاد متعيّن، وترك الجهاد المتعيّن ممتنع، فالصلح - المذكور-: ممتنع، لأنه تعود على العدوّ- أهلكه الله- مصلحته، وعلى المسلمين مفسدته، وإن تخيّلت فيه مصلحة، فهي للعدوّ أعظم من وجوه مكملة، فإنه يتحصّن في تلك المدّة، ويكثر من آلات الحرب والعدّة، فيتعذّر على المسلمين الاستنقاذ، ويصعب عليهم تحصيل [٤٤/ب] المراد- فالصلح المذكور إن وقع مصلحة للعدوّ ومفسدة على الإسلام- فلا يكون له في نفس الأمر انبرام- فيجب نقضه، لأنه بمقتضى الشرع غير منبرم، فحكمه غير لازم عند كل من حقّق


١ - قاله ابن عرفة في "المختصر الفقهي": ١/ ٢٧٩ - أ "في المهادنة".
٢ - قال أحمد المرنيسي: (قال المازري: لا يهادن العدوّ بإعطائه مالاً لأنه عكس مصلحة أخذ الجزية منهم إلا ّلضرورة التخليص منه).
(جواب لسؤال عن حكم المال الذي يفرض على المسلمين لدفعه إلى الأعداء مقابل الصلح بعد نفاد مال بيت مال المسلمين: ٢).

<<  <   >  >>