للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأول: ما تكون الكلمة به في غاية الثِّقَل على اللسان، يعني بلغت من النفرة بين الحروف ما ثَقُلَ على اللسان النطق بها، مثل ما رُوِيَ عن أعرابي وهذا مثالٌ مشهور - وأنا أعتمد الأمثلة المشهورة عند البيانيين بحيث لو فتحت ((التلخيص)) أو شروح ((التلخيص))، أو ((الإيضاح))، أو ((عقود الجمان)) تجد المثال هُوَ هُوَ، ولا نأتي بأمثلة عصرية مؤلفة لأنها لا تنفع، وهي تضر أكثر مما تنفع - ما رُوِيَ عن أعرابي أنه سُئِلَ عن ناقته أين هي؟ فقال: تركتُها ترعى الهعخع. هُعْخع أي بين الحروف تنافي وتنافر، هعخع اجتمعت الهاء مع العين والأول مضموم والثاني ساكن فحصل تنافي بين الحروف يعني: ثِقَل في النطق، فإذا حصل ثِقَلٌ في النطق وعسرٌ في النطق حينئذٍ حكمنا على الكلمة بأنها غير فصيحة، وقيل في ضبطه هِعْخَع بكسر الهاء وإسكان العين وهو نبت يُتداوى به وقيل غير ذلك، ليس المراد المعنى، لأنه قيل: لا وجود له. لكن هذا المثال مذكور عندهم، فالهعخع قالوا: حصل تنافر بين الحروف مما أدّى إلى ثقل على اللسان بل غاية في الثقل على اللسان، حينئذٍ نحكم على هذه الكلمة وإن سُمِعَتْ من أَعْرابي إن صح فحينئذٍ نحكم عليها بكونها غير فصيحة.

ما السبب هنا في التنافر؟

قالوا: سبب التنافر في هذه الكلمة ثِقَلُها باجتماع الحروف المتقاربة المخرج لاسيما الهاء والعين، فإنه لا يكاد واحدٌ منهما يأتلف مع الآخر من غير فصل، الهاء والعين من مخرج واحد تقاربا، في لسان العرب أنه لا يكاد يوجد الهاء والعين إلا بينها فاصل، هع جاءت متتالية فحينئذٍ نقول: هذه التوالي والتتابع سببا ثِقَلاً في اللسان.

الثاني: من نوعي التنافر ما هو دون ذلك، أقل، لم يصل لدرجة الهعخع وإنما هو أقل من ذلك، كلفظ مُسْتَشْزِرَات هذا فيه ثِقَل، لا بد من كسرها حتى تنطق به مُسْتَشْزِرَات، الواقع في قول امرئ القيس: غدائره مستشزراتٌ إلى العلا. أي: مرتفعات. قالوا: سبب التَّنافر هنا توسط الشين وهي مهموسةٌ رِخْوة بين التاء وهي مهموسةٌ شديدة والزاي وهي مجهورة، إذًا ... [لكونها لوقوع الحروف هنا بين أو] (١) لوقوع التنافي والتنافر بين الحروف حكمنا عليها بكونها غير فصيحة.

هذا هو المشهور عند البيانيين أن النظر في المخرج وفي صفات الحرف، والمرجح أن النظر هنا إلى الذوق السليم، فقد يحكم على الكلمة بكونها غير فصيحة لتقارب المخارج، وقد يحكم على كلمة بأنها غير فصيحة لماذا؟ لتباعد المخارج، نحكم كونها غير فصيحة لوجود التنافر أو لغير ذلك، فالحق أن التنافر بين الحروف في الكلمة الواحدة مرده إلى الذوق لا إلى مخرج الحرف - كما اشتهر عند كثير من المتأخرين -، فكل ما عده الذوق السليم الصحيح ثقيلاً متعسرًا يعني: متعسرًا النطق فهو متناقر سواءٌ كان من قُرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك، هذا الأول.

إذًا (من نفرةٍ فيه) يعني: من تنافرٍ فيه يعني في المفرد بأن تكون حروفه متنافرة أي: متباعدة، وهذا إنما يكون على مرتبتين: غاية في التنافر، ما هو دونه، وبناء هذا التنافر على المخارج بُعْدًا وقُرْبًا، والصحيح أن مرده إلى الذوق السليم.


(١) سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>