للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مثلاً كون المخاطَب مُنْكِرًا للحكم هذا حال، كون المخاطَب الذي تكلمه مُنْكِرًا للحكم، إنكار المخاطب هذا يُسَمَّى حالاً يقتضي من المتكلم أن لا يُخْرِجَ الكلام هكذا مبتدأ وخبر، لأن المبتدأ والخبر يدل على أصل المعنى، ونحن نريد هنا أن يطابق مقتضى الحال بأن يزيده أو يخرجه عن كونه دالاً على أصل المعنى إلى اعتبار خصوصية ما، وهو ملاحظة حال المخاطب، حينئذٍ إذا حصل التوافق بين الكلام وبين الحال صار هذا هو عين البلاغة، لأنك لا يمكن أن يأتي إنسان مُنكر للحكم وتقول: زَيْدٌ قَائِمٌ. أو تأتي للإنسان خالي الذهن عن الحكم وتقول: وَاللهِ إِنَّ زَيْدًا لَقَائِم. ولماذا قلت: وَاللهِ إِنَّ زَيْدًا لَقَائِم. هذا لم يطابق، إنما يستخدم هذا الأسلوب متى؟ إذا كان المخاطب مُنكِرًا للحكم، كون المخاطَب مُنكِرًا للحكم حالٌ يقتضي تأكيده، والتأكيد مقتضاها، هذا مراده، ومعنى مطابقته له أن الحال إن اقتضى التأكيد كان الكلام مؤكدًا، وإن اقتضى الإطلاق يعني: عن القيد كان عاريًا عن التأكيد .. وهكذا، إن اقتضى الحال حذف الْمُسْنَدِ إليه حُذِفَ، وإن اقتضى الحال ذِكْرَ الْمُسْنَد إليه ذُكِرَ، إن اقتضى الحال أن يكون الْمُسْنَدُ إليه ضميرًا ذُكِرَ الضمير، أو موصولاً أو اسم إشارة أو محلى بـ أل أو غير ذلك، حينئذٍ نقول: هذه المراعاة لأحوال المخاطب إنما تكون في اللفظ في الكلام لكن لا باعتبار إفادة أصل المعنى، وإنما هي زيادة على ما يُفيد أصل المعنى لأن الكلام - اضبط هذه - الكلام يُؤَدَّى به أمران:

الأمر الأول: أصل المعنى، وهو ما يقتضيه إثبات المسند للمسند إليه زيادة على ذلك وهي مخصوصة ما كما عبر البيانيون إنما تكون لمراعاة ... الحال. يعني: المخاطَب من حيث الذِّكْر والحذف، ومن حيث التأكيد وعدمه، وإن اقتضى ذِكْرَهُ ذُكِرَ إلى غير ذلك من التفاصيل المشتمل عليها علم المعاني.

إذًا مطابقة الكلام لمقتضى الحال نقول: أي لمقتضى الحال أي الأمر الداعي من المخاطَب إن احتاج الأمر الدَّاعي إلى تأكيد الكلام أُكِّدَ، إن احتاج إلى ذكر الْمُسْنَد إليه ذُكِرَ، إن لم يحتج إلى ذكر المسند إليه حُذِفَ، نقول: هذه المراعاة تسمى مطابقةً للحال، ولا بد في ذلك أن يكون مقرونًا بالقصد يعني: إخراج الكلام مؤكدًا إذا كان المخاطب مُنكِرًا للحكم على وجهين: إما أن يكون مقصودًا أو لا.

الأول: يُسمَّى بلاغة.

والثاني: لا يُسمَّى بلاغةً.

يعني: لو كان المخاطب منكرًا للحكم وكان المتكلِم لا يدري هذه المسألة من أصلها وقال: وَاللهِ إِنَّ زَيْدًا لَقَائِمُ. هل يوصف بكونه بليغًا الكلام؟

الجواب: لا، لماذا مع كونه وافق في الواقع كلام مؤكد والداعي يقتضي التأكيد نقول: هنا لا يُسمى بلاغة لماذا؟ لانتفاء القصد، فلا بد أن يكون مقصودًا فإن لم يكن مقصودًا حينئذٍ لا يكون بليغًا. إذًا لا بد في ذلك أن يكون مقرونًا بالقصد حتى لو اقتضى المقام شيئًا من ذلك وأورده المتكلم من غير قصدٍ، لم يكن ذلك الكلام بليغًا مطابقُ لمقتضى الحال، وهذا أحسن ما قيل في حدِّ البلاغة، وهي: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، لا بد من الزيادة حينئذٍ بلاغة الكلام مركبة من شيئين:

<<  <  ج: ص:  >  >>