للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولذلك نورد كلمة الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات، يقول: " من كان مبتدئاً في علوم اللغة فهو مبتدئٌ في الشريعة، ومن كان متوسطاً فهو متوسط في الشريعة، ومن كان منتهياً في علم اللغة فهو منتهٍ في الشريعة " وهذا هو الشاطبي شارح الألفية، وهو الشاطبي صاحب الاعتصام، وهو الشاطبي صاحب الموافقات، لا تعارض بين هذه العلوم عند الأوائل بخلاف هذا الزمان.

الحاصل: أن الاستثناء مبحثه مشترك بين الأصوليين والنحاة، والأصل ما رُجح هناك أن يُرجح هنا، والعكس بالعكس، إذ ثَمَ توافق بينهما.

وأما في الاصطلاح قال: هو الإخراج بـ (إلا) أو إحدى أخواتها، لما كان داخلاً أو مُنزَّلاً مُنَزَّلةَ الداخل، الإخراج: هذا جنس يشمل الإخراج بالاستثناء، والإخراج بالصفة، والإخراج بالبدل، والإخراج بالشرط، والإخراج بالغاية، هذه الخمس كلها من المخصصات المتصلة عند الأصوليين، وكلها مما يحصل به الإخراج: أكلت الرغيف ثلثه، حصل الإخراج بثلثه وهو بدل، أخرج الثلثين.

كذلك الصفة: أَكرِم الطلاب المجتهدين، حصل إخراج غير المجتهدين بالمجتهدين وهو صفة، كذلك الشرط: اقتل الذمي إن حارب، إن حارب نقول: هذا شرط، ((ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)) [البقرة:١٨٧] نقول: هذا مخرجٌ لما بعده، فهو إخراج.

الاستثناء: قام القوم إلا زيداً، هذه كلها مخصصات متصلة، دخلت في قولنا: الإخراج .. هو إخراجٌ بـ (إلا) أو إحدى أخواتها هذا اختص بالاستثناء، أخرج البدل: أكلت الرغيف ثلثه، وأخرج الصفة: أكرم الطلاب المجتهدين، وأخرج الشرط: اقتل الذمي إن حارب، والغاية: ((ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)) [البقرة:١٨٧] إذاً: هذه كلها قد أُخرجت بقولنا: بـ (إلا) أو إحدى أخواتها.

(إلا) هي أم الباب، ولذلك يُقدر غيرها بها، يُقال: ليس بمعنى: غير .. ليس بمعنى: إلا، وغير جاءت مستثناة أو أداة استثناء لأنها بمنزلة (إلا) وسوى وخلا وعدا، كل هذه تُفسر بـ (إلا) فصارت أم الباب، ولذلك الكلام فيها أكثر من كلامٍ في غيرها.

بـ (إلا) أو إحدى أخواتها، لِما كان داخلاً حقيقةً أو مقدراً، داخلاً يعني: في المستثنى منه، وهو زيد، من قولك: إلا زيداً كان داخلاً في القوم، لأنك حكمت بثبوت القيام للقوم، ثم استثنيت .. أخرجت زيد من الحكم، فنفيت عنه القيام، هذا الأصل، فيكون المثبت لما بعد (إلا) نقيض ما أثبت لما قبلها، وما قبل (إلا) أثبت له القيام، وعدم القيام مثبتٌ لما بعده، وهو زيد، إذاً: حصل بينهما تعارض، ذاك مثبتٌ له، وذاك منفي ما أُثبت لما قبل (إلا).

إذاً نقول: الأصل أنه داخل، دخل زيد في القوم فأُثبت له القيام، ثم أُخرج من القوم بدلالة (إلا) وجعلت (إلا) قرينة دالةً على أنه لم يُرَد بالحكم السابق، هذا المراد بالإخراج .. هذا ظاهر الإخراج عندهم، ويشمل قوله (داخلاً): ما كان حقيقةً أو مقدراً ويعنُون به الاستثناء المُفَرَّغ، والاستثناء المُفَرَّغ: هو ما لم يُذكر فيه المستثنى منه، ويكون مسبوقاً بنفي: ما قام إلا زيدٌ، هنا ليس عندنا إخراج في الأصل، إلا أنهم قالوا: هذا الموضع مما حُذِفَ فيه الفاعل، ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، فحينئذٍ أعرب زيد بدل من الفاعل المحذوف عند بعضهم.