الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى: الاِسْتِثْنَاءُ.
الاِسْتِثْنَاءُ هذا من أبواب المنصوبات وهو تابعٌ لما سبق، وليس كله من المنصوبات، وإنما بعضه منصوب وبعضه مرفوع، أو يتبع ما قبله، إذَاً: الاستثناء في بعض أحواله هو من المنصوبات، ومراده بالاستثناء هنا: المستثنى، لأن الاستثناء مصدر: استثنى يستثني استثناءً، فهو مستثنٍ ومستثنى، والمراد به اسم مفعول، فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول. باتفاق
الاستثناء نقول، أي: المستثنى، وليس المراد به المعنى المصدري هنا، وإنما المراد به اللفظ، لأن الذي يُنصب هو اللفظ، وأما الاستثناء فهذا معنى من المعاني، والمعاني غير قابلة للرفع ولا للنصب ولا للخفض، فالإعراب إنما يكون للألفاظ وأما المعاني فلا، لذلك نقول: الاستثناء المراد به هنا المستثنى فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول وهو مجازٌ مرسل عند أرباب المجاز بدليل ذكره في المنصوبات.
الاستثناء نقول: السين والتاء زائدتان، وهو في اللغة: مأخوذٌ من الثني وهو رد بعض الشيء إلى بعضه كثني الحبل، ثني الحبل إذا رَدَّ بعضه على بعض، وهذا ما يسمى أو أطلقه بعضهم بالعطف، إذاً المستثنى معطوفٌ عليه بإخراجه من حكم المستثنى منه كأنه رجع إليه، قام القوم إلا زيداًَ، كأنه عطف ورجع إلى المستثنى منه فأخرج منه زيداً، هذا وجه المناسبة إذا قيل: بأن المراد به العطف، لأن المستثنى معطوفٌ عليه بإخراجه من حكم المستثنى منه، أو بمعنى الصرف، لأنه مصروف عن حكم المستثنى منه: قام القوم، إثبات القيام للقوم، إلا زيداً، إذاً: انصرف زيد عن أن يصدق عليه الحكم السباق.
إذاً: الاستثناء في اللغة إما أن يكون بمعنى العطف، وإما بمعنى الصرف وكلاهما محتملٌ في هذا المكان، وأما في الاصطلاح فالمشهور عند النحاة وعند أكثر الأصوليين، لأن المبحث هنا مشترك بين الأصوليين والنحاة، ثَم فوارق، بعني بعض المسائل قد يتفق فيها الأصوليون مع النحاة، وبعضها قد يختلفون، ونحن ندرس الآن الاستثناء عند النحاة، إلا ما فيه خطأ واضح بَيِّن نُبَيِّن، وأما في مبحث الأصوليين هناك قد يختلفون مع النحاة في كثير من المسائل فلا يختلط الأمر هنا وهناك، ثَمَ مرجحات هناك لبعض المسائل دونها هنا، والأصل أن يكون المبحث متحد، فما أصاب هناك فحينئذٍ ينبغي أن يصيب هنا، والعكس بالعكس، لماذا؟ لأن المبحث واحد، لأن بحث الأصوليين كما يكون في الكتاب والسنة من أجل إثبات ما يحتج به، كذلك فيما يستنبط به من الكتاب والسنة، وهذا مبناه على الركن الأساس والقاعدة الكبرى لسان العرب .. لسان العرب هو أساس أصول الفقه، فمن قوي في هذا اللسان قوي هناك، والعكس بالعكس: من ضَعُف ضَعُف هناك.