للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذهبَ ابن الحاجب إلى أنه يصحُّ وقوع الاستثناء بعد الإيجاب بشرطين: أن يكون ما بعد إلا فضلة لا يكون عمدة، والثاني أن تحصلَ فائدة، كأن يكونُ المستثنى منه محصوراً في نفسه، وذلك كقولك: ذاكرتُ إلا يومَ الجمعة، فإن كان عُمدة نحو: حضرَ إلا زيد، هذا لا يجوز؛ لأنه عُمدة، والشرطُ أن يكون فضلة، أو لم تحصل فائدة نحو (ضربتُ إلا زيداً) لم يجز الاستثناء المفرغ، إذن جوَّزَ ابن الحاجب أن يكون الاستثناء المفرغ من إيجاب، لكن بشرطين، الأول: أن يكونَ فضلة لا يكون عمدة، "ما حضر إلا زيد"، أما "حضر إلا زيد" فلا يصحّ؛ لأن زيداً هذا عمدة، وكذلك أن تحصل به فائدة، "رأيتُ إلا زيداً" لم تحصل به فائدة، وسبقَ أن ابن مالك -رحمه الله- اشترطَ في صحة الاستثناء الباب كله من أصله أن يكون مُفيداً.

فإن لم يكن مُفيداً نحو: ما حضر الناس إلا رجلا، أو ما حضر القوم إلا أُناساً، قال: هذا لا يجوز، لعدم فائدة، ونُوزِع في ذلك.

إذن الاستثناء المفرَّغ يُشترَط فيه أولاً: أن يكونَ المستثنى منه محذوفاً لا يكون موجوداً في الكلام.

ثانيا: أن يكون مَنفياً، فلا يتأتّى في الإيجاب؛ خلافاً لابن الحاجب، وما اشترطه فيه نظر، وأما ما جاء في ظاهر القرآن ((إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) [الجاثية:٣٢] ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)) هو مؤُوَّل على ما ذكرناه.

قال -رحمه الله تعالى-:

وَأَلْغِ إِلاَّ ذَاتَ تَوْكِيدٍ كَلاَ ... تَمْرُرْ بِهِمْ إِلاَّ اَلْفَتَى إِلاَّ اَلْعَلاَ

وَأَلْغِ (إِلاَّ) هذا شروعٌ من الناظم في بيان ما إذا كُرِّرت (إلا)، الكلام السابق كله في ما إذا أُفرِدت (إلا)، يعني الكلام هنا كالكلام في:

عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ ... مُفْرَدَةً جَاءَتْكَ أَوْ مُكَرَّرَهْ

إذن لا النافية للجنس قد تكون مفردة، "لا رجلَ في الدار"، وقد تكون مُكرَّرة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، الكلام في (إلا) كذلك يعني قد تُكرَّر (إلا)، فيقال: "جاء القوم إلا زيداً إلا بكراً إلا عمراً إلا خالداً إلا محمداً"، هنا كُرِّرت (إلا) .. ما الحكم هنا؟ هل كله للاستثناء أم ثَم تفصيل؟ ما هو المستثنى ما الذي يجب نصبُه ما الذي يجب إتباعه أو يجوز إتباعه؟

هذا شروعٌ من الناظم في بيان (إلا) إذا كُرِّرت، (إلا) قد تُكرَّر لمجرد التوكيد، يعني لا يُقصد بها إلا مجرد التوكيد لا الاستثناء؛ لا الإخراج، حينئذٍ إذا كان الأمرُ كذلك فوجودُها وعدمُها سواء، ولذلك قال: وَأَلْغِ إِلاَّ من حيث ماذا؟

من حيث العمل ومن حيث الإخراج، يعني لفظاً ومعنى، عملاً ومعنى، حينئذٍ ليسَ لها فائدة، إلا مجرّد التوكيد كالحرف الزائد، وإن كان الحرف الزائد يعمل، لكن إلا هنا لا تعمل، ولذلك قال: وَأَلْغِ (إِلاَّ)، هذا فيه دليل واضح بيّن على أن الناظم يَرى أن (إلا) هي العاملة، هي عاملة النصب بخلاف ما يُنسَب إليه في هذا الكتاب بأنه يرى أن العامل هو الفعل بواسطة (إلا)، الصواب أنه قال وَأَلْغِ (إِلاَّ) بعدما قال: مَا اسْتَثْنَتِ (إِلاَّ) نسَبَ إليها الاستثناء، وهذا صحيح، وإذا كان الأمر كذلك حينئذٍ إذا أثّرت من جهة المعنى لزم من ذلك أن يكون العمل منسوباً إليها.