للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ) ما جُعِل لغيرٍ، (ما جُعل) هذه صلة الموصول، والألف هنا للإطلاق، (ما جُعل لغيرٍ)، والذي جُعِل لغير هو الأحكام السابقة من أحكام فيما سبق؛ لأنها مثلُها؛ (سوى وغير) مثلان بمعنى واحد، واستدلّوا على ذلك بأمرين: الأول: إجماعُ أهل اللغة على أن معنى قول القائل: (قاموا سواك) و (قاموا غيرك) المعنى واحد، إذا قلت: قاموا سواك، يعني: إلا أنت، قاموا غيرُك: إلا أنت، فالمعنى واحد. إذن: (سِوى وغير) بمعنى واحد في مثل هذا التركيب. وأنه لا أحد منهم يقولُ: إن (سِوى) عبارة عن مكان أو زمان، هكذا قيل، مع أن سيبويه ظاهر كلامه أنها ظرف، لكن قيل: بأنه لم يقل أحدٌ ممن قال بظرفيتها أنها ظرف مكان أو ظرف زمان، يعني عبارة عن المكان أو الزمان.

والثاني: أن مَن حكمَ بظرفيتها حكمَ بلزوم ذلك وأنها لا تتصرفُ، ولذلك قالوا: مُلازمة للظرفية، وأنها لا تتصرّفُ البتة، وهذا ينقضُهُ ما جاء من شواهد عديدة في تصرُّف (سِوَى) بأنها تكون مبتدأً وتكون وخبراً وتكون غير ذلك ..

وَلاَ يَنْطِقُ الْفَحْشَاءَ مَنْ كَانَ مِنْهُمُو ... إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلاَ مِنْ سِوَائِنَا

(وَلاَ مِنْ سِوَائِنَا) دلَّ على أن (مِن) تدخل على (سوى)، كذلك جاءت قبل ذلك مجرورة، في الحديث: {دعوتُ ربي أن لا يُسلِّط على أمتي عدواً مِن سوى أنفسهم} (من سوى) من: حرف جر، و (سوى): اسم مجرور، هذا الأصل فيها، كذلك في الحديث: {ما أنتم في سواكم من الأمم ... } إلخ، كذلك القول السابق:

إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلاَ مِنْ سِوَائِنَا

وكذلك:

فَإِنَّنِي وَالَّذِي يَحُجُّ لَهُ النّا ... سُ بِجَدْوَى سِوَاكَ لَمْ أَثِقِ

ومن استعمالها مرفوعة بالابتداء:

وَإِذَا تُبَاعُ كَرِيمَةٌ أَوْ تُشتَرَى ... فَسِوَاكَ بَائِعُهَا وَأَنْتَ المُشْتَرِي

(سِوَاكَ) هذا مبتدأ، و (بَائِعُهَا) خبرها.

وكذلك من وقوعها مرفوعةً بالفاعلية:

وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَانِ ... دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا

فـ (سِوَاكَ) مرفوع بالابتداء، و (سِوَى الْعُدْوَانِ) مرفوع بالفاعلية.

كذلك جاءت منصوبة اسم (إن):

لَدَيْكَ كَفِيلٌ بِالمُنَى لِمُؤَمِّلٍ ... وَإِنّ سِوَاكَ مَن يُؤَمِّلُهُ يَشْقَى

(وَإِنّ سِوَاكَ) جاءت اسم (إن)، إذن: هذه متصرفة، هذه لا يقال بأنها ملازمة للظرفية، فـ (سواك) اسم (إن)، هذا تقرير كلام المصنف، ولذلك ذهبَ ابن مالك رحمه الله تعالى إلى أنها مثل (غير)، يُستثنى بها كما يُستثنى بـ (غير)، ولكن لا يمثِّلون لـ (سوى)؛ لأنها لا يظهرُ فيها الإعراب، بخلاف (غير)، فالراء حرفٌ صحيح غير معتل، وأما (سوى) هذا مثل: (فتى)، حينئذٍ لا يظهرُ عليها الإعراب، وإلا يُقال: قامَ القوم سوى زيدٍ، هنا النصب مُتعيِّن واجب وهو مقدر، (ما قام القوم سوى زيدٍ) يجوزُ فيه الوجهان، (ما قام سوى زيدٍ) هذا يتعيَّنُ فيه الرفع على أنه فاعل، الحكم واحد مثلها مثل (غير).