إذاً: مفهوم قوله: يَغْلِبُ؛ مفهومه أن غير الغالب يكون قليلاً، ثم هذا القليل نقول: على جهتين: كثير وقليل، والكثرة هنا نسبية باعتبار الأبواب الأخرى التي ورد فيها الجامد، ولذلك قال: وَيكْثُرُ الْجُمُودُ، الْجُمُودُ جمع جامد، والمراد بالجامد هنا ما دل على معنًى فحسب، ولم يدل على ذات، وهذا يدخل فيه المصدر، ولذلك فصله لكثرة ما ورد فيه أنه وقع حالاً.
وَيكْثُرُ الْجُمُودُ أي: ويقل في غير المذكورات، يكْثُرُ الْجُمُودُ: أي جمود الحال، والجامد المراد به ما دل على معنى فقط، يعني لا يدل على ذات، في ماذا يكثر الجمود؟ قال: فِي سِعْرٍ، يعني في الحال الدال على سعرٍ، إذا جاء لفظ الحال وأعربناه حال؛ إن دل على سعر حينئذٍ نقول: هذا جامد، مثل: بِعْهُ مُدّاً بِكَذَا .. بعت البر مداً بدرهم، بِكَذَا ليس المراد (بِكَذَا) قيد، لا، بِكَذَا يعني بدرهم مثلاً، بعت البر مداً بكذا، نقول: بعت البر فعل وفاعل ومفعول به، وَمُدّاً حال منصوبة، هل هي مشتقة أم جامدة؟ نقول: جامدة، دلت على سعرٍ، بدرهم نقول: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: مداً، تعلق به لماذا وهو جامد؟ لأنه مؤول بالمشتق، بعت البر مسعِّراً بدرهم، فكأنه أوقع مُدّاً موقع مسعِّراً, مسعِّراً يجوز فيه الوجهان: بالكسر فاعل، وحينئذٍ يكون مداً حالاً من التاء بعتُ، حالاً من الفاعل، ويحتمل أنه مسعَّراً بدرهم باسم مفعول، حينئذٍ يكون الحال من البر .. من المفعول به، فيحتمل هذا وذاك.
إذاً يكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ، يعني في لفظٍ دلَّ على السعر، فإذا جاءت الحال دالة على السعر حينئذٍ نقول: هي جامدة، وتؤول بالمشتق، وهذا مذهب الجمهور خلافاً لابن هشام في الأوضح، فقد جعلها جامدة غير مؤولة، وَيكْثُرُ الْجُمُودُ أي: جمود الحال في الحال الدالة على سعرٍ.
كَبِعْهُ مُدّاً بِكَذَا، كَبِعْهُ الكاف هنا للتمثيل، وحينئذٍ نفهم أن ما يذكره الناظم ليس المراد به الحصر، وإنما أراد به التمثيل على ما يقع الجامد موقع الحال المشتقة، بِعْهُ مُدّاً أي: بعه البر مثلاً مداً, مُدّاً هذا حال؛ لفظٌ منصوبٌ على الحال، وهو جامد إلا أنه مؤول بالمشتق؛ لأنه في معنى مسعَّراً، ويجوز أن يقدر مسعِّراً مسعَّراً، مسعِّر اسم فاعل، فيكون حالاً من الفاعل أو بالفتح مسعَّراً فيكون حالاً من المفعول به، يعني: بعته البر مسعَّراً، فالبر مسعَّراً، بعته البر مسعِّراً أنا, أنا مسعِّراً بدرهم، مُدّاً نقول: هذا حال، وبِكَذَا صفةٌ لمد، أي كائنات بكذا، ويجوز رفع مُدٌ على الابتداء أن تقول: مُدٌ، وبِكَذَا يكون خبر، والجملة حال، بعته البر مدٌ بكذا، ما خرجنا عن الحال، بعته البر مدٌ بكذا، مدٌ بالرفع، حينئذٍ يصير مبتدأً، وبكذا متعلق بمحذوف خبر، والرابط محذوف، مدٌ منه بكذا، والجملة في محل نصب حال، إذاً انتقل من الحال المفرد إلى الحال الجملة، وكلاهما داخلان في قوله: وَصْفٌ.