للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي مُنفرداً، هذا مذهب جمهور النحاة؛ لئلا تلتبس بالنعت، فلذلك في (رأيتُ زيداً الراكبَ)، لو قيل: رأيتُ زيداً الراكبَ هل تريدُ به النعت أم الحال؟ هذا وقعَ فيه لبس، (رأيت زيداً الراكب) إذا لم نشترِط التنكير في الحال ما إعراب الراكب هنا؟ يحتملُ أنه نعت ويحتمل أنه حال، لكن قلتَ رأيت زيداً راكباً حصلَ تخالفٌ بين المنعوت ونعته، إذن لا يمكن أن يكون نعتاً، إذ لو كان نعتاً لوجب تعريفه؛ لأن المنعوت وهو زيد معرفة، وشرط النعت مع منعوته التطابق. إذن رأيتُ زيداً الراكبَ يمتنع أن يكون الراكب هنا حال لأن شرط الحال أن تكون نكرة، وهذا مذهب جمهور النحاة، وأجاز يونس تعريفه مُطلقاً بلا تأويل، فأجاز جاء زيدٌ الراكبَ، جاء فعل ماضي، وزيد فاعل، والراكب هذا حال، وما الفرق بينه وبين النعت؟ وهنا وقعَ إشكال. وفصّلَ الكوفيون فقالوا إن تضمّنت الحال معنى الشرط صحّ تعريفها لفظاً، نحو: عبد الله المحسنَ أفضل منه المسيئَ؛ عبد الله المحسنَ يعني إذا أحسنَ، أفضلُ منه المسيءَ؛ فالمحسن والمسيء حالان وصحّ مجيئهما بلفظ المعرفة لتأوّلهما بالشرط؛ إذ التقدير عبد الله إذا أحسنَ أفضلُ منه إذا أساء. إذن إذا تضمّنت معنى الشرط جاز التعريفُ عند الكوفيين، فإن لم تتضمن الحال معنى الشرط لم يصح مجيئهما بلفظ المعرفة؛ فلا يجوز أن يُقال جاء زيدٌ الراكبَ على أنه حال؛ لماذا؟ لأنه لا يُقال (جاء زيدٌ إن رَكِب) بالشرط لا يُقال هذا. إذن: في الحال من جهة كونها نكرة أو معرفة ثلاثةُ مذاهب؛ مذهبُ جمهور البصريين والنحاة أنه يُشترط فيها أن تكون نكرة؛ فإن جاءت معرفة وجبَ التأويل، عكسهم يونس ووافقه البغداديون أنه لا يُشترط؛ مطلقاً سواءٌ تضمنت الشرط أم لا. حينئذٍ (جاء زيدٌ الراكبَ) هذا حال، (رأيتُ زيداً الراكبَ) هذا حال، فلا يُشترَط فيها التنكير، والكوفيون على التفصيل إن تضمّنت معنى الشرط جازَ تعريفها لفظاً كالمثال الذي ذكرناه؛ وإلا فحينئذٍ لا يجوز لأنه لا يُقال جاء زيد الراكبَ.

وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً فَاعْتَقِدْ ... تنْكِيرَهُ مَعْنًى ..................

إذن الأصل فيها التنكير، وعُلّل بعلتين؛ الأولى أن لا يُتوهم أنه نعت؛ ففرقٌ بين النعت والحال؛ فالأصل في النعت أن يكون مُشتقّاً. حينئذٍ الأصل فيه كذلك التطابق مع منعوته، والأصل في الحال أن تكون نكرة، من أجل المفارقة بين النوعين اشتُرِط التنكير في الحال، وعُلّل بأن الأصل في اللفظ في الاسم أنه نكرة فإذا أمكن الدلالة على الغرض والفائدة من مجيئ الحال وهو الدلالة على الهيئة بالنكرة لا يُعدل عنه إلى الزيادة؛ لأن المعرفة نكرة وزيادة، إذا قيلَ (جاء زيدٌ راكباً) راكباً: هذا أفهمَ بيان وكشف وإيضاح هيئة زيد؛ حصلَ أو لا؟ حصل الغرض، إذن لماذا تزيده شيئاً زائداً على مجرد التنكير؟ تقول: جاء زيد الراكبَ زدته (أل)؟ نقول هذا يُعتبر حشواً في الكلام، كلُّ لفظٍ خروجه ودخوله لا يؤدّي معنىً حينئذٍ صار حشواً في الكلام.

وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ