للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذن: التي لتنصيص العموم هي التي مع نكرة لا تختصّ بالنفي؛ لأنها قبل دخولِ من تحتمل نفيَ الوحدة بمرجوحية، ونفيَ الجنس على سبيل العموم براجحية، فدخولها مُنصِّص على الثاني؛ لأنك إذا قلت: ما رجلٌ عندي، رجلٌ هذا نكرة في سياق النفي عام، هو ظاهرٌ في العموم، حينئذٍ يكون محتمِلاً للتخصيص، فإذا قلت: "ما مِن رجل" لا يقبلُ التخصيص البتة، لماذا؟ لأن (مِن) أكّدته ونصَّت على أن المراد هنا به العموم، فلذلك يمتنعُ أن يُقال: "ما جاءني من رجل بل رجلان" ممتنع، كما هو الشأن في لا النافية للجنس، لا يصح أن يقال: "ما جاءني من رجل بل رجلان"، ونحكم بزيادتها مع كونها أفادت التنصيص، هذا معنى من المعاني، كيف نقولُ: هي زائدة، ومع ذلك أفادت التنصيص على العموم؟ لأن المراد بزيادتها وقوعُها في موضعٍ يطلبه العامل بدونها، يعني: أن تقعَ بين طالب ومطلوب، حينئذٍ نقولُ: وقوعُها هنا هل يخرج اللفظ عن الإسناد، فيما لو حذفنا (مِن)؟ الجواب: لا، ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:٣]، أو لو قال قائل: "ما من أحد في الدار"، لو قال: "ما أحد في الدار" بقيَ المسند والمسند إليه على حاله، حينئذٍ أصلُ المعنى موجود: "ما أحد في الدار"، لو قيل: "ما من أحد" نصّ، نقول: زيادة (مِن) والحكم بكونها زائدة لا يُفهَم منه أن دخولها وخروجها سواء، بل لها معنى هو التنصيص على العموم، وهذا يؤكِّدُه المعنى الذي يذكرُه النحاة؛ لأن المراد بزيادتها وقوعُها في موضع يطلبُه العامل بدونها، فتكونُ مُقحَمة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطُها مخلاً بالمقصود النهائي؛ ليس المقصود الابتدائي الذي يحصلُ بالإسناد .. المسند والمسند إليه، والتي لتأكيد العمومِ هي التي مع نكرة تختصُّ به، يعني: بالنفي: كأحد وديّار؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدلُّ على العموم نصّاً فزيادة من تأكيد لذلك العموم.

إذن: (مِن) تُزاد وقد تكون تنصيصاً على العموم، ثم التنصيص قد يكون قبلَ دخولِ (من) لم تُفِده الجملة، وقد يكون دالّة عليه، ولكن (مِن) تؤكِّدُ العموم الذي فيه، وذلك فيما إذا كانت النكرة ملازمة للنفي، حينئذٍ إذا دخلت عليه (مِن) نقول: قبل دخول (مِن) هي نص في العموم، ماذا أفادت (من)؟ أكَّدت التنصيص على العموم، إذا لم يكن مُلازماً للنفي ودخلت (مِن)، حينئذٍ نقول: هذه أفادت التنصيص على العموم، ولا تُزادُ في الإيجاب ولا يُؤتى بها جارة لمعرفة، وهذا مذهبُ الأخفش؛ مذهب الأخفش أنه تُزادُ من بدون شرط أو قيد، يعني: سواء كانت معرِفة ما بعدَها ولا يشترط النكرة، أو كانت في سياق نفي أو غيره مُطلَقاً في الإيجاب وفي النفي ولا يُشترَط أن تكون نكرة، هذا مذهبُ الأخفش؛ فلا تقل: "جاءني من زيد"، هذا خلافاً للأخفش، وجَعَل منه قوله تعالى: ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) [الأحقاف:٣١]، قال: مِن: هذه زائدة، ويغفر: هذا إيجاب، وذنوبكم هذا معرفة، إذن: بطلَ الشرطان، ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) [الأحقاف:٣١] قال: مِن هذه زائدة ودخلت على ذنوبكم، وهو معرفة، ويغفر: الجملة هذه مُوجَبة وليست منفية، والجواب عما افترضَ به أو استدلَّ به الأخفش نقول من ثلاثة أوجه: