للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وضابط ذلك أنه إن لم يصلح إلا تقدير (من)، (من) قلنا: البيانية، التي لبيان الجنس .. جنس المضاف، ويصحّ على الإضافة التي على معنى (من)، إتباع المضاف إليه للمضاف بدلاً أو عطفَ بيان، ونصبُهُ على الحال أو التمييز، مثل إذا قلت: هذا خاتمُ حديدٍ، يصحّ أن تقول: هذا خاتمٌ حديدٌ، حديدٌ هذا عطف بيان أو بدل، حينئذٍ صحَّ، ويصحُّ على الإضافة التي بمعنى (مِن) إتباع المضاف إليه للمضاف بدلاً أو عطف بيان، أو نصبُه على الحال أو التمييز على السابق معنا، الذي هو: هذا خاتمٌ حديداً، سيبويه يَرى أنه نصبٌ على الحال، قلنا: الصواب أنه منصوبٌ على التمييز، لماذا؟ لأنه مُلازمٌ وليس منتقلاً، ثم صاحبُه –خاتمٌ- جامدٌ، ثم هو جامدٌ في نفسه والأصل فيه أن يكون مُشتقّاً. إذن: الصواب أنه منصوب على التمييز لا على الحال، فحينئذٍ ضابطُ ذلك أنه إذا لم يصلح إلا تقدير (من) أو (في) فالإضافة بمعنى ما تعيّنَ التقدير منهما، وإلا فالإضافة بمعنى اللام التي للملك أو الاختصاص، فيتعينُ تقديرُ (من) إن كان المضاف إليه جنساً للمضاف نحو: هذا ثوبُ خزٍ وخاتمُ حديدٍ، هذا ثوبٌ مِن خزٍ، وهذا الثوبُ خزٌ يصح، وهذا بعضُ الخزّ وخاتمٌ من حديد، ويتعينُ تقدير في إن كان المضاف إليه ظرفاً واقعاً فيه المضاف، فيجوزُ فيها نصبُ المضاف إليه على الظريفة، نحو: أعجبَني ضربُ اليومِ زيداً، ضربُ زيدٍ في اليوم، ومنه قوله تعالى: ((لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ)) [البقرة:٢٢٦]، يعني: تربصٌ في أربعةٍ .. ظرف زمان: ((بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) [سبأ:٣٣]، يعني: مكرٌ في الليل والنهار، فإن لم يتعيّن تقديرُ (مِن) أو (في) فالإضافة بمعنى اللام، لكن هذا الحكم خاصّ بالإضافة المحضة .. هذا الصحيح، ويختصُّ التقديرُ عندَ مِن قال به بالمحضة، وقيل: في اللفظية أيضاً، لكنه ضعيف؛ لظهورها في قوله: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:٣٥]، ظالمُ نفسه، ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) قالوا: ظهرت هذا على الخطأ الذي ذكرَه أبو حيان، يعني: إذا قلت: ظالمُ نفسِه، ليسَ هو ظالمٌ لنفسه .. فرق بينهما، فإذا قيل: الإضافة اللفظية على معنى اللام؛ لأنه جاءَ مُصرّح بها: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) نقول: لا ليس بصحيح؛ لأن "ظالمُ نفسِه" ليست هي "ظالمٌ لنفسِه".

إذن: قيلَ في اللفظية أيضاً لظهورها في قوله: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)((حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)) [النساء:٣٤]، حافظاتُ الغيبِ، ((حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)) ليسَ هما سِيّان المعنى مختلف، ((مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ)) [البقرة:٨٩]، مُصدّقُ ما معهم فليست هي.

ورُدَّ هذا القول بعدمِ اطراده إذ لا يسوغُ في الصفة المشبهة؛ لأنّ قوله: وَإِنْ يُشَابِهِ المُضَافُ يَفْعَلُ: هذا يشمَلُ الصفةَ المشبهة، ولذلك مثَّلَ لهما ابن مالك بمثالين: عظيمُ الأمَلِ قَلِيلُ الْحِيَلِ، وقيل: مُرَوَّعُ الْقَلْبِ كذلك هو صفة مشبهة.