للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإذا أردت الشجاعة بأنها وقعت بعد أن لم تكن وقلت: زيدٌ شجاع؛ أخطأت في التعبير، أخطأت في اختيار اللفظ، حينئذٍ لا يفهم أنه يحتمل: زيد شجاع هكذا بالنظر العقلي، يحتمل أنه وجدت الشجاعة وكان جباناً، هذا محتمل، لكن إذا أريد الدلالة على أن الشجاعة وجدت بعد أن لم تكن حينئذٍ لا تأت بوصف شجاع، وإنما تعدل عنه إلى وصفٍ اسم الفاعل.

وكذلك: إذا قلت: زيدٌ شجاع وزيدٌ جميل؛ كان معنى الصفة هنا إثبات الشجاعة والجمال لزيد واستمرارهما في جميع أوقات وجود زيد. إذاً: دلت على ثبوت الوصف للموصوف، فلا تدل على الحدوث ولا التجدد، والدليل على ذلك أنها دالة على الثبوت: أنه إذا أريد الدلالة على الحدوث دون الثبوت حينئذٍ تأتي باسم الفاعل، حولت الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل، فتقول في (زيدٌ حسنٌ) .. زيدٌ حسنٌ كما سبق أن بعض النحاة يرى أنه متى ما أردت الحدوث تأتي به على زنة فاعل مطلقاً بقطع النظر عن كون الفعل متعدياً أو لازماً، كونه على وزن فعَل أو فعِل أو فعُل، حينئذٍ: زيدٌ حسنٌ، زيدٌ حاسنٌ. زيدٌ شجاع، زيد شاجعٌ. زيد ظريف، زيد ظارفٌ. زيدٌ عفيف، زيدٌ عافٍّ. إذاً: إذا أردت الحدوث تأتي به على زنة فاعل، وهذا قال به بعض النحاة. حولت الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل فتقول في: زيد حسن؛ زيد حاسن، أي: أن الحسن قد حدث له بعد أن لم يكن. إذاً: فرق بينهما من جهة المعنى ومن جهة الصيغة.

وفي (زيدٌ ضيق صدرهُ): زيد ضائقٌ صدرهُ، ضيق صدره، حينئذٍ نقول: ضيق يعني ملازم له الوصف صباح مساء، ماضي حال استقبال صدره ضيق، وإذا قلت: زيد ضائقٌ صدرهُ بمعنى أنه وجد بعد أن لم يكن.

إذاً: وصف الفاعل يدل على الحدوث بعد أن لم يكن، ووصف الصفة المشبهة تدل على اللزوم والحدوث، ولذلك قال تعالى: ((وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)) [هود:١٢] والضيق حدث بعد أن لم يكن، هذا خاص.

فلو كانت صيغتها تدل على الحدوث لما حولت إلى صيغة أخرى. هذا دليل على أن ثَمَّ فرقاً بين اسم الفاعل والصفة المشبهة.

فإذا أُريد ثبوت الوصف قلت: حسنٌ، ولا تقول: حاسن. وإذا أردت حدوثه قلت: حاسن ولا تقول: حسنٌ، وهذا تفريق جيد. ومثله: عافٍّ في عفيف، وشارفٍ في شريف، وظارفٍ في ظريف .. وهكذا.

إذاً: الصفة المشبهة تدل على نسبة وصف إلى موصوف على جهة اللزوم، بمعنى: أن هذا الحدث ثابت له مدة وجوده، وهذا مما فارقت فيه الصفة المشبهة اسم الفاعل فإنما يدل على الحدوث والتجدد وهي تدل على الثبوت والاستمرار والدوام.