إذن: لا يبنى الصيغتان إلا من فعل ثلاثي، فما زاد عن الثلاثي بجميع أنواعه لا يبنى منه اتفاقاً إلا أفعَل، ففيه نزاع، أفعَل مثل أكرم فيه نزاع، فقيل: يجوز مطلقاً، وهذا رأي سيبويه، وقيل: يمتنع مطلقاً، وهو قول المازني والأخفش وابن السراج والفارسي، وقيل: بالتفصيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل نحو: ما أظلم هذا الليل، وما أقفر هذا المكان، ولا يقال: ما أذهب نور الليل؛ لأن الهمزة هنا للنقل، إن كانت همزته للنقل امتنع، وإن لم يكن كذلك جاز، وهذا مذهب ابن عصفور، والأول مذهب سيبويه وأكثر النحاة أنه يجوز مطلقاً، والقول بجواز بناء فعل التعجب من أفعل مطلقاً هو قول سيبويه وأصحابه، واختاره ابن مالك في التسهيل وشرحه، بأنه يجوز مطلقاً.
وشذ على هذين القولين الأخيرين المنع مطلقاً، والتفصيل .. تفصيل ابن عصفور ما أعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف، وعلى كلٍّ قول: ما أتقاه .. الأقوال الثلاثة، وما أملى القربة؛ لأنهما من اتقى وامتلأ، إذا قيل: ما أتقاه بنيته من اتقى، اتقى على وزن افتعل، إذن ليس على وزن أفعَل، يكون مما اتفق النحاة على منعه أو مما اختلف فيه؟ مما اتفقوا على منعه، نحن نقول: ما زاد عن الثلاثي متفق على منعه إلا أفعل، اتقى على وزن افتعل، افتعل هل هو عين أفعل؟ إذن: هو متفق على المنع.
ما أبلى القربة من امتلأت، افتعلت، حينئذٍ من باب أولى إذا اتقى منع فامتلأت من باب أولى وأحرى.
إذن: أن يكون ثلاثياً، فلا يبنى مما زاد عليه، إلا أفعل وقع فيه خلاف أجازه سيبويه ومنعه غيره، وفصل ابن عصفور.
(مِنْ ذِي ثَلاَثٍ صُرَّفَا) أن يكون متصرفاً -هذا الثالث- فلا يبنيان من فعل غير متصرف كنعم وبئس وعسى وليس.
وما له تصرف ناقص كيدَع ويذر، يعني مطلقاً سواء كان غير متصرف تصرفاً تاماً كنعم وبئس، أو يكون متصرفاً ناقصاً.
إذن (صُرَّفَا) المراد به التصرف التام، احترازاً مما لا يتصرف أصلاً أو مما له تصرف ناقص، فيمنع في الطرفين.
إذن الشرط: أن يكون متصرفاً تصرفاً تاماً؛ لأنه المتبادر عن الإطلاق، فلا يبنيان من فعل غير متصرف أصلاً، ولا من فعل ناقص التصرف كيدع ويذر.
الرابع: أن يكون معناه قابلاً للمفاضلة .. (قَابِلِ فَضْلٍ) يعني: المعنى قابل لأن يستعظم، فلان يزيد عن فلان، إذن يقع فيه التعجب، فلا يبنيان من مات وفني ونحوهما؛ إذ لا مزية فيهما لشيء على شيء. زيدٌ مات وعمروٌ مات، كل منهما مات لا يتعجب من موت أحدهما.