اعترض بأنه لا حاجة إليه بعد تقريره الشروط؛ لأنه بين أنه لا قياس إلا بالشروط، مفهومه: أن ما جاء دون شرط .. تحقيق الشروط فهو شاذو يحفظ ولا يقاس عليه، وهذا واضح بين.
اعترض بأنه لا حاجة إليه بعد تقريره الشروط، ولئن سُلِّم الاحتياج فهو يغني عن قوله: (وَلاَ تَقِسْ).
يعني: لو قيل: بأنه يحتاج إليه، إذن يكفينا (وبِالنُّدُورِ احْكُمْ لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ)، ما الفائدة من قوله: (وَلاَ تَقِسْ)؟
إذا حكم عليه بكونه نادراً وهو مخالف للقياس إذن هو لا يقاس عليه، إذن ما الفائدة من قوله: (وَلاَ تَقِسْ)؟ إذ معلوم أن النادر لا يقاس عليه، أُجيب -الجواب لا بد-: أنه أتى بالشطر الأول إشارة إلى أن الشروط سمع نادراً تخلفها، -وهو هذا باب الاعتراض-، سمع نادراً تخلفها لدفع توهم أنها لم تتخلف.
يعني: أنه أتى بهذا الشطر للدلالة على أن تلك الشروط مع كون العرب التزمتها عند التعجب، إلا أن بعضهم خالف، فسمع مخالفة الشروط، لو لم يذكر هذا قد يقال: بأن العرب استوفت الشروط، يعني لم تأتِ بصيغة تعجب إلا وهي مستوفية للشروط! لا. شرطت الشروط ومع ذلك خالفت، إذن أفاد فائدة جديدة. لدفع توهم أنها لم تتخلف، ثم لما كان النادر قد يطلق على القليل الذي يقاس عليه فتكون تلك الشروط شروطاً للكثرة قال: (وَلاَ تَقِسْ) النادر .. ليس كل نادر لا يقاس عليه. هذا كلفظ القلة.
ومعنى البيت: أن ما جاء عن العرب من فعلي التعجب مبنياً مما لم يستكمل شروطه فحقه أن يحفظ ولا يقاس عليه للندرة.
(وبِالنُّدُورِ) أي: القلة (احْكُمْ) احكم بالندور، هذا متعلق باحكم.
(لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ) من استيفاء الشروط.
(وَلاَ تَقِسْ عَلَى الَّذِي مِنْهُ أُثِرْ) أي: نقل.
فهم من قوله: بِالنُّدُورِ أنه قد جاء بناء صيغتي التعجب من الفعل العادم لبعض الشروط، وأن ذلك نادر غير مقيس.
يعني أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شيء من الأفعال التي سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره، ولا يقاس على ما سمع منه، إذن لا فائدة من الشروط إذا جوزنا القياس. كقولهم: ما أخصره، هذا مأخوذ من اختُصر، اختُصر هذا مبني للمجهول الأصل لا يجوز، لكن سمع ما أخصره، مأخوذ من اختُصر، هذا فيه شذوذان: الأول: أنه مبني للمجهول، الثاني: أنه خماسي.
فبنوا أفعَل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبني للمفعول، وكقولهم: ما أحمقه. فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل، أحمق هذا على وزن أفعل، نحو: حمِق حمُق فهو أحمق، وقولهم: ما أعساه، من فعل جامد، وأعس به، فبنوا أفعل وأفعل به من عسى وهو فعل غير متصرف.
وما أعطاه، وما أفقره من افتقر، وما أجمعه، وما أجنه من جُنَّ، كل هذا نقول يحفظ ولا يقاس عليه.
وَفِعْلُ هَذَا البَابِ لَنْ يُقَدَّمَا ... مَعْمُولُهُ وَوَصْلَهُ بِمَا الْزَمَا
وَفَصْلُهُ بظَرْفٍ اوْ بِحَرْفِ جَرْ ... مُسْتَعْمَلٌ وَالْخُلْفُ فِي ذَاَكَ اسْتَقَرّْ
هذا خاتمة الباب، وهو أنه يجب أن يتصل المعمول بالعامل، فلا يتصرف فيه لكونه جامداً، يعني معموله لا يجوز أن يتقدم عليه، ما أحسن زيداً، لا يصح أن يقال: زيداً ما أحسن، لا يصح، لماذا؟ لكونه جامد غير متصرف، فلا يتصرف في معموله.