الثاني: أنه لا يتبع يعني بشيء من التوابع، وأما نحو: نِعمَ هم قوماً فشاذٌ، نِعمَ هم قوماً، الجمهور منعوا الإتباع وأعربوا هذا البيت على النحو التالي: نِعمَ: فعلٌ ماضي والفاعل ضمير مستتر وهم توكيد للضمير المستتر، نِعمَ هم قوماً، قوماً هذا تمييز، لكن حكموا عليه بكونه شاذاً يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن من شأن هذا الضمير أن لا يتبع، يعني لا يعطف عليه، ولو فصل بينهما فاصل، ولو كان مشروعاً عندهم، وكذلك لا يؤكد ولا يبدل منه، مطلقاً، جميع التوابع الأربعة لا ترِد في ضمير نِعمَ.
إذن: نقول: هذا الضمير لا يتبع بشيءٍ من التوابع، وذلك لقوة شبهه بالحرف؛ لأن فهمه لفظاً ومعنى متوقفٌ على التمييز، نِعمَ الضمير ما هو؟ قوماً رجلاً .. إلى آخره، فنقول: لا يفهم الضمير، ولذلك قلنا: مضمراً مبهماً، لا يفهم الضمير إلا بالتمييز، يُفَسِّرُهْ يكشفه ويوضحه هذا التمييز. لأن فهمه لفظاً ومعنى متوقفٌ على التمييز الواقع بعده، وقد سمع نِعمَ هم قوماً، وخرجوه على أن الفاعل مستتر وهم توكيد للفاعل، وهذا شاذٌ عند الجمهور.
الثالث: أنه إذا فسِّر بمؤنث لحقته تاء التأنيث وجوباً، نحو: نعمتِ امرأةٌ هندٌ، ولكن هذا ليس متفقاً عليه، وهذا سبق في باب الفاعل:
وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا ... لأِنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ
لكن ليس هو الذي معنا هنا.
وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا: نحن الآن هنا نتحدث عن الفاعل إذا كان ضميراً، لا إذا كان اسماً ظاهراً محلىً بـ (أل) والحكم مختلف. أنه إذا فسر بمؤنث لحقته تاء التأنيث وجوباً، نحو: نعمت امرأةً -بالنصب- هندٌ، هندٌ هذا مخصوص وامرأةً منصوبٌ على التمييز والفاعل ضمير مستتر، والتاء هذه للتأنيث، تأنيث الضمير المستتر. وقيل: لا تلحق .. محل نزاع محل خلاف. وقيل لا تحلق، وإنما يقال: نِعمَ امرأة هندٌ استغناءً بتأنيث المفسِّر، وقيل: بجواز الأمرين.
إذن: إذا كان المفسِّر مؤنثاً حينئذٍ في تأنيث الفعل ثلاثة أقوال: يجب التأنيث بناءً على أن المفسر .. التمييز مؤنث: نعمت امرأةً هندٌ، وقيل: لا يلزم اكتفاء بتأنيث المفسر أو المميز، وقيل: يجوز الأمران، هذه ثلاثة أحكام تتعلق بالضمير المستتر.
وأما المفسِّر فيشترط فيه شروط:
أولاً: أن يكون مؤخراً عنه، فلا يجوز أن يتقدم: رجلاً نِعمَ، لا يصح، وإنما يجب أن يكون مؤخراً عنه، فلا يجوز تقديمه على نِعمَ وبئسَ، فلا يقال: رجلاً نِعمَ زيدٌ، هذا فاسد.
ثانياً: أن يتقدم على المخصوص فلا يجوز تأخيره عنه عند جميع البصريين، وعندهم نحو: نِعمَ زيدٌ رجلاً شاذٌ وقد أجازه الكوفيون، وهذا يأتي بحثه. أن يتقدم على المخصوص، يعني: أن تقول: نِعمَ رجلاً زيدٌ، ولا يصح أن يقال: نِعمَ زيدٌ رجلاً هذا شاذ عندهم، وإن كان الظاهر جوازه، وقد أجازه الكوفيون.
الثالث: أن يكون مطابقاً للمخصوص في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فتقول: نِعمَ رجلاً زيدٌ، ونِعمَ رجلين الزيدان، ونِعمَ رجالاً الزيدون، ونِعمت فتاةً هندٌ لابد أن يكون مطابقاً للمخصوص إفراداً وتثنية وجمعاً، يعني: لا يقال: نِعمَ رجلاً الزيدان، ولا نِعمَ رجلين زيدٌ، لابد أن يكون مطابقاً له.