إذاً: لا بد من أن تكون أفعل دالة على التفضيل في كل حالٍ من الأحوال، والحال التي معنا واختلفنا فيها وهي إذا حذف (من) ومجرورها، لا بد من ردها إما إلى (من) ومجرورها تقديراً، وإما أن يكون ثم مضاف محذوف منوي الثبوت، إما هذا وإما ذاك، لكن هذا لا يتصور في المثال الذي ذكرناه، لا يتصور أن يكون هناك تفضيل، الكلام هذا فيه نظر، الصواب أنها قد تخرج، لكنه يدل عليه بقرينة.
الحكم الثاني الذي يتعلق بأفعل إذا كان مجرداً، هو ما أشار إليه بقوله:
وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا ... أُلْزِمَ تَذْكِيراً وَأَنْ يُوَحَّدَا
وهو أنه يلزم الإفراد والتذكير، يعني: يكون مفرداً فلا يثنى ولا يجمع، ويكون مذكراً فلا يؤنث، فتقول: زيدٌ أعلمُ من عمروٍ، والزيدان أعلمُ من عمروٍ، وهندٌ أعلمُ من عمروٍ .. وهلم جرَّا .. تبقيه على أصله.
أن يكون مفرداً مذكراً دائماً نحو: ((لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ)) [يوسف:٨] أَحَبُّ هذا مفرد، ((لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ)) [يوسف:٨] مثنى هذا المفضل، والمفضل عليه (أَحَبُّ إِلَى).
((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ)) [التوبة:٢٤] إلى أن قال: ((أَحَبَّ)) عدَّد ثم قال: أَحَبَّ فأفرد، لماذا؟ لكونه مجرداً من أل ومن الإضافة.
ومن ثم قيل: إن "أُخر" معدول عن آخر، وفي قوله: كَأَنَّ صُغْرَى وَكُبْرَى مِنْ فَقَاقِعِهَا لحنٌ هكذا قيل، لُحِّن أبو نواس؛ لأنه قال: صغرى وكبرى، والأصل أن يقول: أصغر وأكبر؛ لأنه مجرد عن أل والإضافة، فلا يطابق الموصوف، بل يلزم الإفراد والتذكير. حيث أتى بصغرى وكبرى مجرداً من أل والإضافة مؤنثة، وكان حقه أن يقول: أصغر وأكبر.
وأجيب بأنه لم يقصد التفضيل فخرج عن الوصف فصار صفة مشبهة.
(وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا أُلْزِمَ تَذْكِيرَاً) يعني: أُلْزِمَ أفعل التفضيل تذكيراً فيكون مذكراً، ولا يؤنث ولو كان الموصوف مؤنثاً.
(وَأَنْ يُوَحَّدَا) (أن) وما دخلت عليه بتأويل مصدر، يعني توحيداً، والتوحيد المراد به الإفراد، فلا يثنى ولا يجمع ولو كان الموصوف مثنىً وجمعاً، فتقول: زيدٌ أفضلُ من عمروٍ، وهندٌ أفضلُ من عمروٍ ما تقول: هند فضلى .. هند أفضلُ، (هندٌ) مبتدأ و (أفضلُ) خبر، كيف (هند) مبتدأ و (أفضل) خبر والشرط التطابق؟ نقول: هذا مستثنى من القاعدة، فحينئذٍ نقول: أفضل يبقى على أصله.
وتقول: الزيدانِ أفضلُ من عمروٍ، والزيدون أفضلُ من عمروٍ، والهندانِ أفضلُ من عمروٍ، والهنداتُ أفضل من عمرو، إذاً يلزم الإفراد والتذكير.
ومثلهُ المضاف، وهذا هو الحالة الثانية من أحوال أفعل التفضيل، أن يكون مضافاً، فإن كان مضافاً إما أن يضاف إلى نكرة كأفضل رجلٍ، وإما أن يضاف إلى معرفة، فإن أضيف إلى نكرة حينئذٍ حكمهُ حكم المجرد من أل، بمعنى: أنه لا يلزم كالأول -الحكم ليس مطلقاً، وإنما من حيث الإفراد والتذكير-، فيلزم الإفراد والتذكير.
(وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ) يعني: يلزم المضاف إليه أن يطابق.
(وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ) وإن يضف لمنكورٍ، لِمَنْكُورٍ جار ومجرور متعلق بقوله: يُضَفْ.