للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ) أي: المعنى الحاصل معها؛ لأن التفضيل ليس نفس معناها، وإنما هو مستفاد من أفعل معنى (من)، ليس التفضيل حاصلاً من (من) نفسها ومجرورها بل من التركيب كله، زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، لا بد من مفضل، ومفضل عليه، ومن ومجرور .. التركيب كله يفهم منه التفضيل ليس خاصاً بـ (من) فحسب، وإنما هذا كناية من إطلاق الجزء مراداً به الكل (إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) بأفعل معنى (من) بأن لم تنو به المفاضلة أصلاً، أو تنويها لا على المضاف إليه وحده، بل عليه وعلى كل ما سواه، حينئذٍ خرجت عن معنى التفضيل، فإذا أضيف إلى المعرفة وجب فيه حالة واحدة وهي: المطابقة لما اتصل به.

هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ ... لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ

أي: جواز المطابقة وعدمها في المضاف إلى المعرفة مشروط بأن تكون الإضافة فيه بمعنى (من)، وذلك إذا كان أفعل مقصوداً به التفضيل.

إذاً: لم يقصد بقوله: (إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ) أن تكون (مِنْ) مقدرة، لا. ليس هذا مراده، مراده أن هذا اللفظ كناية عما إذا استعمل أفعل التفضيل في بابه، ولذلك إذا ذكرت (من) فهي قطعاً أنها للتفضيل.

(هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) معنى مِنْ أي التفضيل، على ما أضيف إليه وحده.

(وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) معنى (مِنْ) (فَهْوَ طِبْقُ) فَهْوَ مبتدأ وطِبْقُ هذا خبر.

طبق ما قرن به وجهاً واحداً، قُرِنْ المراد به ما هو أفعل التفضيل له، يعني جعلته تابعاً لما سبق.

إذا كان أفعل التفضيل بأل لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد والتذكير وغيرهما فتقول: زيدٌ الأفضلُ، والزيدانِ الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وهندُ الفضلى، والهندان الفضليان، والهنداتُ الفُضَّل أو الفضليات، ومررتُ بزيدٍ الأفضل، وبهند الفضلى، ولا يؤتى معه بـ (من).

ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله، هذا المحلى بأل؛ لأنه قال: (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ) حكم ولم يجوِّز الوجهين، فدل على أنها لازمة، فلا تقول: الزيدون الأفضل، ولا الزيدان الأفضل، ولا هندٌ الأفضل، ولا الهندان الأفضل، ولا الهندات الأفضل .. لا يجوز، ولا يجوز أن يقترن به (من)، فلا تقل: زيدٌ الأفضلُ من عمروٍ، هذا نقول: إذا قرنت حينئذٍ نحكم عليه بكونه شاذاً.

فأما قوله: وَلَسْتَ بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصىً، بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ جاءت مِنْهُمْ، اقترنت (من) بالمفضل عليه، وأفعل التفضيل هنا محلى بأل، نقول: هذا لا بد من تخريجه.

وَلَسْتَ بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصىً ... وَإِنَّمَا العِزَّةُ لِلكَاثِرِ

فإما أن يقال: بأن الأَكْثَرِ أل هذه زائدة، فحينئذٍ نقول: مِنْهُمْ على الأصل .. أكثرُ منهم، والأصل: ولست بأكثرَ منهم، أو جعل منهم متعلقاً بأكثرَ نكرة محذوف مجرد عن الألف واللام، لا بما دخلت عليه الألف واللام، والتقدير: ولست بالأكثرِ أكثرَ منهم.

فحينئذٍ منهم صار متعلقاً بمحذوف يفسره المذكور، وهو مجرد، يعني مستوف للشرط.

وقيل: لا نسلِّم أن (من) في قوله: مِنْهُمْ هي الجارة للمفضول، ولكنها تبعيضية، فهي متعلقة بمحذوف والتقدير: لست بالأكثر حصى حال كونك منهم أي: بعضهم.