للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَلَدَى إِخْبَارٍ التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا): (التَّقْدِيمُ) هذا مبتدأ ووَرَدَا الألف هذه للإطلاق والجملة خبر، ونَزْراً هذا حال من الضمير المستتر في وَرَدَا.

(وَلَدَى إِخْبَارٍ) لَدَى بمعنى: عند، ولها متعلق، وَلَدَى التقدير: والتقديم ورد نزراً لدى إخبارٍ-رتب الجملة-، إذاً يكون حقه التأخير عن وَرَدَا، فيكون متعلقاً به، وعند إخبار وردا، حينئذٍ نقول: متعلق بقوله: وردا؛ لأن حق الكلام هكذا: والتقديم ورد نزراً لدى إخبار، حينئذٍ صار متعلقاً به.

الإخبار مقابل للإنشاء، والاستفهام نوع من الإنشاء.

إذاً: إذا كان التقديم واجباً في الأول، فإذا كان دخول (من) على غير استفهام فالأصل وجوب التأخير، فإذا تقدم حكمنا عليه بأنه نزرٌ كما حكم الناظم هنا أو نحكم عليه بأنه ضرورة وشاذ.

إذاً: يجب التقديم إذا دخلت (من) على واجب التصدير كالاستفهام، وأما الخبر مثل زيد أكرم من عمروٍ، (من عمروٍ) لا يجوز أن يتقدم، نقول: زيدٌ من عمروٍ أكرم، أو من عمروٍ زيدٌ أكرم .. نقول: هذا فاسد لا يصح، فإن جاء في نظم الكلام حينئذٍ حكمنا عليه بأنه ضرورة أو شاذ.

والناظم هنا قال: (نَزْراً) يعني: قليلاً، وفي التوضيح أنه ضرورة عند الجمهور.

(وَلَدَى) يعني: عند (إِخْبَارٍ) هذا مقابل لقوله: مُسْتَفْهِمَاً.

(التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا) أي أن المجرور بـ (من) المذكورة إذا كان خبراً أي غير استفهام لزم تأخيره عن أفعلِ التفضيل؛ لأنه بمنزلة الفاعل، فمحله التأخير وقد يتقدم عليه بقلة كما قال الناظم، والجمهور على أنه ضرورة.

قال الشارح: تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجرداً جيء بعده بـ (من) جارةٍ أو جارةً -يجوز الوجهان- للمفضل عليه نحو: زيدٌ أفضلُ من عمروٍ، ومن ومجرورها معه بمنزلة المضاف إليه من المضاف.

يعني: أفضلُ من عمروٍ، كأنه عندنا مضاف ومضاف إليه، كأنه وليس هو مضاف ومضاف إليه، وسبق أن المضاف إليه لا يتقدم على المضاف، كذلك من عمروٍ لا يتقدم على أفعل التفضيل؛ لأنه بمنزلة المضاف إليه فلا يجوز تقديمه.

فلا يجوز تقديمهما عليه كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف، إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام أو مضافاً إلى اسم استفهام، فإنه يجب حينئذٍ، إذ الاستفهام له حق الصدارة في الكلام.

فإنه يجب حينئذٍ تقديم (من) ومجرورها نحو: ممن أنتَ خيرٌ، ومن أيهم أنتَ أفضل، ومن غلام أيهم أنتَ أفضل، وقد ورد التقديم شذوذاً في غير الاستفهام.

إذاً: (نَزْراً) لم يوافق عليه ابن عقيل، وهذا هو الظاهر أنه شاذ.

وإليه أشار بقوله: (وَلَدَى إِخْبَارٍ التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا) ومن ذلك قوله:

فَقَالَتْ لَنَا: أَهْلاً وَسَهْلاً وَزَوَّدَتْ ... جَنَى النَّحْلِ بَل مَا زَوَّدَتْ مِنْهُ أَطْيَبُ

(مِنْهُ أَطْيَبُ) أطيب منه، قدم منه وهو جار ومجرور متعلق بقوله: أطيب على أفعل التفضيل وهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، وإنما يقاس إذا كان استفهاماً.

وقول ذي الرُّمة يصف نسوة بالسمن والكسل: وَأَنْ لاَ شَيْءَ مِنْهُنَّ أَكْسَلُ .. أكسل منهُنَّ، نقول: هذا مقدم عليه.

إَذَا سَايَرَتْ أَسْماءُ يَوْماً ظَعِينَةً ... فأسْمَاءُ مِن تِلكَ الظَّعِينَةِ أَمْلَحُ