للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا مذهب الكوفيين: أنه يجوز أن يُخَصَّص النكرة بالنكرة، يعطف عطف بيان النكرة بالنكرة، وذهب غيرهم إلى المنع، بأن عطف البيان خاصٌ بالمعارف وأمَّا النكرات فلا، وهذا نُسِبَ إلى جمهور البصريين، وذهب غيرهم إلى المنع، وأوجبوا في الأمثلة التي ذكرها ابن عقيل هنا: ((مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)) [إبراهيم:١٦] .. ((مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ)) [النور:٣٥] هذه واردة، ((أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ)) [المائدة:٩٥] ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ)) [النبأ: ٣١ - ٣٢] هذه كلها ذكرها الكوفيون على أن النكرة قد تكون نكرةً في باب عطف البيان، كلٌ منهما يُبيَّن بالآخر، وخَصّوا عطف البيان بالمعارف.

قال ابن عصفور وإليه ذهب أكثر النحويين، وقيل: هو مذهب البصريين، قال في الهمع: " ومنع البصرية جريانه على النكرة، وقالوا: لا يجري إلا في المعارف " يعني: عطف البيان لا يكون إلا في المعارف، أمَّا النكرات فلا، هذا مذهب البصريين، والصواب هو مذهب الكوفيين لوروده. وقيل: يختص عطف البيان بالعلم فقط اسماً أو كنيةً أو لقباً، وحجة من منع: بأن البيان بيانٌ كاسمه، والنكرة مجهولة، والمجهول لا يُبيِّن المجهول، إذا كانت النكرة مجهولة، وعطف البيان إنما جيء به للبيان، حينئذٍ المجهول لا يُبيِّن المجهول. ورُدَّ: بأن بعض النكرات أخص من بعضٍ، والأخص يُبيِّن الأعم .. الأخص من النكرات يُبيِّن الأعم مثلما قلنا: رجلٌ فصيح، فصيح: أخص، ورجل: عام، إذاً: صح ذلك.

وقول الزمخشري والجرجاني: يشترط كونه أوضحَ من متبوعه مخالفٌ لقول سيبويه: يَا هَذا ذَا الجُمَّة، إن "ذا الجمة" عطف بيان مع أن اسم الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة، ولذلك اشترط الزمخشري أن يكون عطف البيان أوضحَ من متبوعه، وهذا ضعيف، لماذا؟ لأن سيبويه أعرب: (يَا هَذا ذَا الَجُمة)، ذَا الجمَّة هذا عطف بيان، وأيهما أعرف؟ اسم الإشارة أعرف، إذاً: وقع عطف البيان هنا أدنى، إذاً: لا يشترط فيه أن يكون مساوياً له لا في التعريف ولا في التنكير.

فَقَدْ يَكُونَانِ مُنكَّرَيْنِ ... كَمَا يَكُونَانِ مُعَرَّفَيْنِ

ذهب أكثر النحويين إلى امتناع كون عطف البيان ومتبوعه نكرتين، وذهب قومٌ منهم المصنف وهو مذهب الكوفيين إلى جواز ذلك:

فَقَدْ يَكُونَانِ مُنكَّرَيْنِ ... كَمَا يَكُونَانِ مُعَرَّفَيْنِ

قيل: ومن تنكيرهما قوله تعالى: ((يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ)) [النور:٣٥] زيتونة: عطف بيان، وعند المانع: بدل، البصريون يعربونها بدلاً، ((وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)) [إبراهيم:١٦] صديد: عطف بيان، وعند البصريين .. المانعين: بدل، فزيتونة عطف بيان لشجرة، وصديد عطف بيان لماء، ((أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ)) [المائدة:٩٥] .. ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ)) [النبأ: ٣١ - ٣٢] إذاً: هنا حصل عطف البيان النكرة للنكرة.

ثم وجد فيه ما اشترطه بقوله:

فَأَوْلِيَنْهُ مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ ... مَا مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ النَّعْتُ وَلِي

فكان مطابقاً لما قبله.