ومن أوضح ما يُرَدّ عليهم قول العرب: اختصم زيدٌ وعمروٌ، وامتناعهم أن يعطفوا بـ (الواو) أو بـ (ثم) لكونهما للترتيب، فلو كانت (الواو) مثلهما لامتنع ذلك كما امتنع معهما، أن يعطف بـ (الفاء) و (ثم).
إذاً نقول:(الواو) لمطلق الجمع على الصحيح، ثم هي محتملة لواحدٍ من المعاني الثلاثة المذكورة.
قال في التسهيل:" وتنفرد الواو بكون متبوعها في الحكم محتملاً للمعية برجحانٍ، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة " هذا نستفيد منه: أن مطلق الجمع يدخل فيه هذه الأنواع الثلاثة: عطف اللاحق على السابق، أو بالعكس، أو المصاحبة، يرد السؤال: هل كلها مرتبة واحدة، أم متفاوتة؟ نقول: لا، متفاوتة، هذا مراد ابن مالك في التسهيل: أنها متفاوتة، قال:" وتنفرد الواو بكون متبوعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة " يعني: الكثير في لسان العرب: أنه إذا قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ، الترتيب أن يكون الثاني لاحق للأول هذا الكثير، والعكس بقلة مع وجوده، والمعية برجحانٍ، يعني: شيء مرجوح.
ولذلك مضى معنا في باب المفعول معه: أن جاء زيدٌ وعمروٌ يجوز أن ينصب، يُقال: جاء زيدٌ وعمراً، لكنه مرجوح؛ لأن الأصل أن الواو لمجرد العطف، تعطف الثاني على السابق، وهذا معناه: أن مجيئها لعطف اللاحق على السابق أكثر، والعكس كذلك مثله، ولكن للمعية هذا قليل، لذلك قال: للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة.
فهي وإن كانت موضوعةً لمطلق الجمع الصادق بالأمور الثلاثة لكنها متفاوتة، فاستعمالها في المعية أكثر، وفي تقدم ما قبلها كثير، وفي تأخره قليل، لكن هذا لم يسلم لابن مالك رحمه الله مطلقاً، المراد أنها ليست على مرتبة واحدة.
فتكون عند التجرد عن القرائن للمعية بأرجحية، ولتقدم ما قبلها برجحان، ولتأخره بمرجوحية، ولكن هذا يحتاج إلى إثبات.
(اختصم زيدٌ وعمروٌ) لا عطف هنا إلا بالواو، تقاتل زيدٌ وعمروٌ: لا عطف هنا إلا بالواو، كل ما كان على وزن افتعل وتفاعل مما يقتضي المشاركة وإيقاع الحدث بين اثنين فصاعداً لا يجوز العطف بينها إلا بالواو: تضارب زيدٌ وعمروٌ وخالدٌ وبكرٌ، كل هؤلاء فاعل .. فاعل في المعنى، لأنك تقول: تضارب، يعني: حصل حدث فيه مشاركة، مشاركة ممن؟ زيد وعمرو وخالد وبكر، إذاً: كلهم فعلوا الحدث وهو الضرب، مضاربة كلٌ منهم ضرب الآخر.