للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: اختصت الواو من بين حروف العطف، بأنها يعطف بها حيث لا يُكْتَفى بالمعطوف عليه، اختصم زيدٌ وعمروٌ، ولو قلت: اختصم زيد لم يجز، ولو قلت: اختصم زيدٌ فعمروٌ لم يجز، ولو قلت: اختصم زيدٌ ثم عمروٌ لم يجز، لا بد أن تأتي بالواو، ما جئت بالواو لحنٌ! لو جئت بواحدٍ: اختصم زيد كضارب زيد، نقول: هذا ما يصلح، لا بد أن تأتي بالمعطوف والواو.

ولو قلت: اختصم زيدٌ لم يجز، ومثله: اصطف هذا وابني، وتشارك زيدٌ وعمروٌ، ولا يجوز أن يعطف في هذه المواضع بالفاء ولا بغيرها من حروف العطف، ولا يُقال: اختصم زيدٌ فعمروٌ.

إذاً: يعطف بها حيث لا يُكْتَفَى بالمعطوف عليه، يعني: يعطف بها اسمٌ على اسمٍ، لا يُكْتَفى في الكلام به إلا بمتبوعه، فهي من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعداً، وهذا المشهور أنه في باب افتعل وتفاعل وفاعل، ضارب زيدٌ عمراً هذا لا يحتاج إلى عطف، لأنه يتعدى إلى مفعول، ضارب زيدٌ عمراً من باب: فاعل، وأمَّا باب افتعل وتفاعل هذا الذي يُراد هنا.

وَاخْصُصْ بِهَا عَطفَ الَّذِي لاَ يُغْنِي ... مَتْبُوعُهُ ..

أمَّا قوله: (بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْمَلِ) بالفاء هنا، قالوا: الأصل هنا على تقدير مضاف .. على حذف مضاف، تقديره: بين أماكن الدخول فأماكن حومل، فهو بمنزلة: اختصم الزيدون فالعمرون، جائز أو لا؟ إذا قلت: اختصم الزيدون، كلٌ منهم خاصم الآخر، فاعل ومفعول، فالعمرون: هذا جائز، لأن الثاني ليس معطوفاً على الأول في كونه مشاركاً له في العامل، وإنما هو في قوة قوله: اختصم زيدٌ فاختصم العمرون .. اختصم الزيدون فاختصم العمرون، إذاً: كلٌ منهم له خصومة تخصه منفكة عن الآخر، فلا إشكال في هذا .. هذا جائز.

لو قيل: اختصم الزيدون، صح أو لا؟ صح، لأنك أوقعت الجمع موقع الثلاثة فأكثر، وكذلك اختصم الزيدان، أمَّا إذا جئت بالعطف على الأصل: اختصم زيدٌ وعمروٌ لأن التثنية والجمع إذا اشتركا كلٌ منهما المخاصِم والمخاصَم زيد، إذاً قلت: اختصم الزيدان، هذا جائز، لأنهما منفكان، واختصم الزيدون كأنك قلت: اختصم زيد وزيد وزيد، أمَّا إذا كانا مختلفين: اختصم زيدٌ وعمروٌ لا بد من الفصل.

وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِاتِّصَالِ ... وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ بِانْفِصَالِ

(وَالفَاءُ) التي ذكرها سابقاً بقوله: (فَا .. وَالفَا) (أل) هذه للعهد الذكري، يعني: الفاء المذكورة في عَدِّ حروف العطف هناك، والفاء العاطفة لها ثلاثة أحكام:

الأول: تُشرِّك ما بعدها فيما قبلها في الحكم، وهذا معلومٌ في كل حرف سيأتينا، ولا نحتاج إلى تنصيص عليه، لأنها ما كانت حرف عطف إلا لكونها مُشرِّكة للثاني فيما قبله في الرفع أو النصب أو الخفض، فلا نحتاج أن نقول: لها حكمٌ مستقلٌ بها، وإنما نَتعرَّض إلى المعنى.

الثاني: أنها تفيد الترتيب، ما المراد بالترتيب؟ يعني: تدل على تأخر المعطوف على المعطوف عليه، يعني: ما بعد الفاء وقع بعد ما قبل الفاء، جاء زيدٌ فعمروٌ، مجيء عمرو ليس مقارناً لمجيء زيد، لماذا؟ لأنك عطفت بالفاء، والفاء تدل على الترتيب، بمعنى: أن ما بعدها حصل له المجيء بعد حصول المجيء لما قبلها، إذاً: لم يَتَّحِدا .. لم يقعا معاً، هذا المراد بالترتيب.