وقد تكون للترتيب الذكري، وأكثر ما يكون -هذا الترتيب الذكري- في عطف مفصلٍ على مجملٍ، نحو قوله تعالى:((فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ)) [النساء:١٥٣] ما هو السؤال .. ما هي هذه الأسئلة؟ ((فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ)) [النساء:١٥٣] إذاً: وقع تفصيل بعد إجمال، نقول: الفاء هنا للترتيب الذكري، لأنه وقع بعد إجمال، والذي انحط عليه الكلام، وليس المراد من الترتيب الذكري مجرد ترتيب شيئين في الذكر، يعني: مجرد أنه قيل: جاء زيدٌ فعمروٌ، إذا قيل: الترتيب الذكري هنا، نقول: لا، ليس هذا المراد، لأن هذا مأخوذٌ من غير الفاء، لو أسقطت الفاء وجيء بحرفٍ آخر حينئذٍ نقول: هذا أفادت الترتيب، كون الشيء مذكوراً أولاً، ثُمَّ الذي يليه سواءٌ كان بحرف عطف أو لا .. سواءٌ كان بالفاء أو بغيرها، نقول: الترتيب حاصل.
لأن هذا القدر لازمُ للذكر مع إسقاط الفاء أيضاً، ليس من أجل الفاء، ونحن نعلق الحكم هنا: الترتيب الذكري بالفاء على جهة الخصوص، بل ترتيب مراتب المذكور في الذكر، أي: بيان أن المذكور أولاً حقه أن يتقدم في الذكر لتقدم رتبته على رتبة المتأخر، إذاً: أفادت الفاء إذا كانت للترتيب الذكري أن رتبة المتقدِّم .. رتبته التقدِّيم، وما بعد الفاء رتبته التأخير، وهذا يكون في عطف المفَصَّل على المجمل كثيراً.
وكثيراً ما يقتضي أيضاً -الفاء-: التسبب، إن كان المعطوف جملة، وهذا يذكرها الأصوليون هناك في جهة التعليل: سها فَسَجد .. زنا فرُجِم .. سرق فقُطِع، هنا الفاء عطفت جملة على جملة، وأفادت السببية، ولذلك نقول: سرق فقطع، أفادت الفاء أن علة القطع السرقة، زنا فرجم، علة الرجم زنى، سها فسجد سجود السهو، إذاً: ما قبله علةٌ لما بعده.
إذاً: كثيراً ما تقتضي الفاء التسبب إن كان المعطوف جملةً: ((فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ)) [القصص:١٥] قضى عليه بسبب الوكز، كذلك الأمثلة التي ذكرناها. ولدلالتها على ذلك كونها تدل على السببية في عطف الجمل لا في عطف المفردات، استعيرت للربط في جواب الشرط، نقول: الفاء تقع رابطةً لجواب الشرط بالشرط، لماذا اختيرت الفاء؟ لأن فيها معنى السببية، ومعلومٌ أن الشرط وجواب الشرط .. فعل الشرط وجوابه أن بينهما تعليق، وأنه مرتبٌ عليه ترتيب السبب على المسبب: إن جئتني أكرمتك يعني سبب أو مسبب على المجيء.