(وَخُذْ نَبْلاً)، (نَبْلاً) اسم جمع للسهم، (مُدَىَ) جمع مُديِة وهي السكين، (خُذْ نَبْلاً مُدَىَ) غَلِطْ، أراد أن يقول: خذ سكيناً، قال: خذ نبلاً فأخطأ، أو أراد .. قصد النبل فقال: خُذْ نَبْلاً، ثم تبيَّن له أن يُخبِر عن الثاني فقال:(خُذْ نَبْلاً مُدَىَ) إذاً: يَحتمل مُدَىَ أنه بدل غلط، ويَحتمل أنه بدل إضراب، أضرب عن الأول في اللفظ فيكون مقصوداً، وجاء باللفظ الثاني، ولذلك قال هنا قوله:(وَخُذْ نَبْلاً مُدَىَ) يصلح أن يكون مثالاً لكل من القسمين، لأنه إن قُصِدَ النبل والمدى معاً فهو بدل الإضراب، وإن قُصِدَ المدى فقط .. الثاني دون الأول وهو جمع مدية: وهي الشفرة .. السكين، فهو بدل غلط.
إذاً: هذه أربعة أقسام للبدل .. لعمومه، وزدنا عليه: بدل البعض من الكل.
ثم قال:(وَمِنْ ضَمِيِرِ الحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ تُبْدِلْهُ) البدل كما سبق تابع، يتبع ما قبله في إعرابه، وهل حكمه حكم النعت، وعطف البيان: أنه يُشتَرَط أن يَتبع ما قبله إفراداً وتذكيراً وتثنيةً وجمعاً، وتعريفاً وتنكيراً أم لا؟ هذا فيه تفصيل. يُفهم من كون البدل تابعاً: أنه يوافق متبوعه في الإعراب، وهذا واضح، ولذلك قال: التَّابعُ المَقْصُودُ بالْحُكْمِ، دَلَّ على أنه يكون حكمه في الإعراب حكم المتبوع رفعاً ونصباً وخفضاً، وهذا حكمٌ عامٌ في جميع التوابع.
وأمَّا موافقته إياه في الإعراب والتذكير والتنكير وفروعها، نقول: هذا فيه تفصيل:
أمَّا التنكير والتعريف فلا يلزم، ولذلك يُبْدَل المعرفة من المعرفة، والمعرفة من النكرة، والنكرة من النكرة، والنكرة من المعرفة، كله وارد، فأمَّا التنكير والتعريف فلا يلزم موافقته لمتبوعه فيهما، بل تُبْدَل المعرفة من المعرفة، كقوله: صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ، كلها معارف في قراءة الجر، والنكرة من النكرة:((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ)) [النبأ: ٣١ - ٣٢] مَفَازاً .. حَدَائِقَ: النكرة من النكرة، والمعرفة من النكرة:((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ)) [الشورى: ٥٢ - ٥٣] صراط الله: معرفة، وصراط مستقيم: نكرة، وهذا بدل كل من كل، والنكرة من المعرفة:((لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ)) [العلق: ١٥ - ١٦] النَّاصِيَةِ بـ (أل) معرِفة، ناصيةٍ: نكرة، إذاً: أبدل النكرة من المعرفة.
إذَاً: لا يشترط التنكير والتعريف، قد يكونا متوافقين، وقد يكونا مختلفين.