للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ) تاء التأنيث هذه التي في: أبتِ وأمتِ، كما سيأتي أنها تاء التأنيث، عوضٌ عن الياء، وإذا كان كذلك فلا يُجْمَع بينهما، فلا يُقال: يا أبتي ويا أمتي، نَجمع بين التاء والياء، لأن التاء عوضٌ عن الياء، حينئذٍ لا يُجْمَع بين العِوَضْ والمُعَوَض عنه، وإنما عُوضَ تاء التأنيث عن الياء .. لماذا اختير تاء التأنيث عن الياء؟ قيل في التعليل عن الياء إذا أضيف إليها: لأن الأب والأم مَظِنة التفخيم والتعظيم، والتاء هذه تستعمل في: علاَّمة، فيها معنى المبالغة والتعظيم والتهويل، حينئذٍ ناسب أن يُبْدَل عن الياء تاء .. هكذا قيل! وإنما عُوِّضَ تاء التأنيث عن الياء إذا أضيف إليه الأب والأم، لأن كلاً منهما مَظِنة التفخيم الذي هو الأب والأم، والتاء تدل عليه كما في: علاَّمة.

إذاً نأخذ من قوله (وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ) التاء عوضٌ من الياء أنهما لا يكادان يجتمعان، لأن العِوَضْ والمُعَوَض لا يجتمعان. ويجوز فتح التاء وهو الأقْيس كما سبق، وكسرها وهو الأكثر وبالفتح قرأ ابن عامر، وبالكسر قرأ غيره من السبعة: (قَالَ يَبْنَؤُمِّ لاَ تَأْخُذْ) [طه:٩٤].

إذاً (وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ) بالتاء فيهما على النداء يا أبتِ .. يا أمتِ (عَرَضَ) الذي هو إبدال الياء تاءً، (عَرَضْ) بمعنى: أنه عارضٌ ليس بلازمٍ، فلك أن تستعمله كما سبق: يا أبي .. يا أبَ .. يا أبا، باللغات الخمس، حينئذٍ تزيد عليه هاتان اللغتان صار سبع، سيأتي مزيد لغتين .. (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ).

إذاً قوله: (عَرَضْ) أفْهَم أن التعويض ليس بلازمٍ، فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة، والأصل: يا أبي ويا أمي.

قال الشارح هنا: يُقال في النداء: يا أبتِ ويا أمتِ بفتح التاء وكسرها، وكلٌ منهما حينئذٍ منصوب على الأصل، لأنه مضاف ومضاف إليه، والكلام في المنادى المضاف إلى ياء المُتَكلِّم، حينئذٍ الأصل فيه أنه منصوب، ثم تنظر في الحركة وتُقدِّر على حسب ما يظهر. وكلٌ منهما منصوب لأنه مُعْرَب، فإنه من أقسام المضاف لفتحة مُقدَّرة على ما قبل التاء .. ليس على التاء، لأن التاء هذه منقلبة عن الياء، والتقدير إنما يكون على الحرف الذي هو قبل الياء: يا أبي الباء، إذاً: يا أبتِ على الباء تُقَدِّره، وأمَّا التاء فهي عِوَضٌ عن الياء فلا تُقَدَّر عليه.

بفتحة مُقدَّرة على ما قبل التاء منع من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة لأجل التاء لاستدعائها فتح ما قبلها، لا على التاء لأنها في موضع الياء التي يسبقها إعراب المضاف إليه، ولذلك يُقال: يا أبتِ .. يا أمتِ، بفتح التاء وكسرها، ولا يجوز إثبات الياء، فلا تقول: يا أبتي ويا أمتي، لأن التاء عوضٌ من الياء فلا يُجمع بين العِوَضْ والمُعَوض منه، وقد ورد ثبوت الياء في الشعر: (يا أَبَتِي لا زلتَ فينا فإنما) إلى آخره، يا أبَتِي، جاء فيه إثبات الياء.

وكذلك ورد ثبوت الألف المنقلبة عن ياء المُتَكلِّم.

تَقُولُ بِنْتِي قَدْ أَنَى أَنَاكَ ... يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَا

يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَا، وقول الراجز في البيت المشهور:

يَا أبتا أرَّقنِى القِذّانُ ... فالنّوْمَ لا تَطْعَمُهُ الْعَيْنَانُ