للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فخيف رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المُنصَرِف المُستَثقَل لفظاً لكونه منقوصاً، لأن المنقوص ثقيل آخره ياءٌ ساكنة، ومعنىً لكونه فرعاً، فعوضوا التنوين من الياء لينقطع طَمَع رجوعها، هذا تعليل، وهذا المشهور عِنَد المتأخرين، بأن الإعلال سابقٌ على الصرف. أو للتخفيف، يعني: حُذِفَت الياء تَخفيفاً، بناءً على حَمل مذهبهم على تقديم منع الصرف على الإعلال، فأصله بعد منع صرفه (جَوارِيُ) هذا الأصل بدون تنوين .. بإسقاط التنوين، استُثقِلَت الضمَّة على الياء فحُذِفَت، أصله: (جَوَارِيُ) ممنوع من الصرف، استُثقِلَت الضمَّة على الياء فحُذِفَت، ثُمَّ حُذِفَت الياء تخفيفاً وعُوضَ عنها التنوين لئلا يكون في اللفظ إخلال بالصيغة.

هذا مذهب سيبويه والجمهور: أن التنوين عِوَض عن الياء، في كلا القولين، سواءٌ قلنا الإعلال مُقدَّم على منع الصرف أو بالعكس، فالتنوين في الحالين عِوضٌ عن الياء.

ومذهب المبَرِّد والزجَّاج: أنه عِوضٌ عن حركة الياء، التنوين في (جَوَارٍ، وغَوَاشٍ) ليس عِوضاً عن الياء بل عِوضٌ عن الحركة.

ومنعُ الصرف مُقدَّم على الإعلال، فأصله بعد منع صرفه (جَوَارِيُ) بإسقاط التنوين، استثقلت الضمَّة على الياء فحذفت، وأتي بالتنوين عوضاً عنها، وهذا غريب لأن التنوين لا يُعَوَّض عن حَرَكَة، وإنما يُعوَّض به عن حرفٍ. ثُمَّ حُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين.

إذاً: التنوين جيء به عوضاً عن الحركة، ثُمَّ التقى ساكنان: الياء والتنوين، فحُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين، وكذا يُقال في حالة الجر على الأقوال الثلاثة.

وَذَا اعَتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِيَ ... رَفْعَاً وَجَرّاً أَجْرِهِ كَسَارِي

أَجْرِهِ: يعني: ما سبق، (كَسَارِي)، فإذا قلت: مررت بِجوارٍ، فعلامة جَرِّه فتحة مُقدَّرة على الياء، مررت بِجوارٍ (جَوَارٍ) تقول: هذا اسمٌ مَجرور بالباء، وجَرُّه فتحة مُقدَّرة على الياء نيابةً عن الكسرة، لأنه غير مُنصَرِف، وإنما قُدِّرَت مع خفة الفتحة لأنها نَابت عن الكسرة، بعضهم رأى: أنه إذا كان الفتحة لا تظهر، لماذا نقول: عِوَض .. لماذا لا نأتي بالأصل؟ نقول: لا، كونها نائبةً عنها فيه ثِقَل.

وإنما قُدِّرَت مع خفة الفتحة لأنها نابت الكسرة فاستُثقِلَت لنيابتها عن المُستَثقَل، وقد ظهر أن قول الناظم: (كَسَارٍ) إنما هو في اللفظ فقط، وليس المراد أنه ممنوع من الصرف، لأن (سَارٍ) هذا اسم فاعل كـ: (قَاضٍ) فالمراد به أنه مِثلَه في اللفظ، فالتشبيه حينئذٍ يكون تشبيه لفظٍ بلفظٍ فقط دون التقدير، لأن (سَارٍ) كـ: (قاضٍ) مُنصَرِف فجرُّه كسرة مُقدَّرة، وتنوينه تنوين التمكِين لا العِوَض لأنه مُنصَرِف.

إذاً فرقٌ بين: (جَوَارٍ) و (سَارٍ)، (جَوارٍ) هذا ممنوعٌ من الصَرف و (سَارٍ) مصروف، (جَوَارٍ) التنوين فيه عِوَض عن حرف، و (سَارٍ) تنوين صَرفٍ .. تنوين تَمكِين.

وَذَا اعَتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِيَ ... رَفْعَاً وَجَرّاً أَجْرِهِ كَسَارِي

قلنا: سكت عن حالة النصبِ ففُهِم منه أنه على الأصل كالصحيح.

إذاً: قوله: (كالجوَارِي) احتَرَز به مِمَّا إذا قلبت الياء ألفاً كـ: (العَذَارَى) و (المَدَارَى) هذا يبقى على الأصل.