للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذاً: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)) [الأنفال:٣٣] (يُعَذِّبَ) منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار لوقوعها بعد لام الجحود، ودليل ذلك أنَّه سبقها (مَا كَانَ)، كذلك: ((لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)) [النساء:١٣٧] (يَغْفِرَ) فعلٌ مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار لوقوعها بعد لام الجحود، ودليله (لَمْ يَكُنْ) إذاً: سُبِقت بـ (يَكُنْ) منفية بـ (لَمْ).

على مذهب البصريين: أنَّ اللام هنا دليل وليست بناصبة .. دليل على أنَّ (أَنْ) مضمرةٌ بعدها، لا أنَّها ناصبةٌ بنفسها، وتعليل البصريين قوي هنا في هذا الموضع وفي غيره، لأنَّ اللام حرف جر، حينئذٍ نقول: كيف تَجُر وتعمل الخفض، ثُمَّ بعد ذلك ندَّعي أنَّها تعمل النَّصب؟ يعني: تدخل على الفعل فتنصبه، وتدخل على الحرف فتجرُّه؟ هذا لا نظير له، وإنَّما إذا اختصَّ الفعل بِحرفٍ فعمل حينئذٍ لا يدخل على غيره كشأن الجوازم وحروف الجر.

حينئذٍ اللام هنا لا يمكن أن تكون ناصبةً بنفسها كما هو مذهب الكوفيين، فمذهب البصريين أرجح، ومذهب الكوفيين بأنَّ النَّاصب هو اللام، نقول: هذا فيه نظر!

وعليه في إعرابه (لِيُعَذِّبَهُمْ) اللام: حرف تعليلٍ ونصبٍ عند الكوفيين، (يُعَذِّبَ) فعل مضارع منصوبٌ باللام ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، اختُلِف في الفعل الواقع بعد اللام من حيث الإعراب بعد لام الجحود.

عرفنا أنَّ اللام هي النَّاصبة عند الكوفيين وأنَّ اللام هي دليل (أَنْ) المضمرة وجوباً بعدها على مذهب البصريين، لكن ما إعراب هذا الفعل؟ اخْتُلِفَ في الفعل الواقع بعد اللام، فذهب الكوفيون إلى أنَّه خبر (كان) واللام للتَّوكيد أي: زائدة لتوكيد النفي كالباء في: ما زيدٌ بقائم، هذا غريب أنْ تُحدث النصب بنفسها ثُمَّ تكون زائدةً، لأنَّ ثَمَّ فرقاً بين: ما زيدٌ بقائمٍ، حينئذٍ نقول: اللام هناك أفادت الاستقبال هذا الأصل، لأنَّ كُل حرفٍ ينصب حينئذٍ يُعيِّن الفعل للمستقبل، لأنَّه في الأصل قلنا: للحال، فإذا دخل عليه ناصب، وقلنا (أَنْ) مضمرة بعد اللام حينئذٍ خلَّصه للاستقبال.

وإذا قيل على مذهب الكوفيين أنَّه اللام نفسها حينئذٍ يَتعيَّن أن يُخلِّص المضارع إلى الاستقبال، حينئذٍ كيف تكون زائدة للتَّوكيد؟! هذا محل نظر، إذاً: على مذهب الكوفيين الفعل الذي يكون بعد اللام خبر (كان) نفسه الفعل خبر (كان) واللام للتَّوكيد أي: زائدة لتوكيد النفي، كالباء في: ما زيدٌ بقائم.

حينئذٍ: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)) [الأنفال:٣٣] (يُعَذِّبَ) اللام هنا: حرف جر ونصبٍ على مذهب الكوفيين، (لِيُعَذِّبَ) (يُعَذِّبَ) فعلٌ مضارع منصوبٌ باللام، والفعل المضارع وفاعله في محل نصب خبر (كَانَ)، (يُعَذِّبَهُمْ) يُعذِب هو .. الله عز وجل، والضمير يعود على لفظ الجلالة، والهاء ضمير متَّصل مبني على الضَّمِّ في محل نصب، مفعول به لـ (يُعَذِّبْ) والميم للجمع، الجملة الفعلية في محل نصب خبر (كَانَ) واللام هذه قالوا: لا تأثير لها، إنَّما زِيدت للتوكيد، كيف زائد للتَّوكيد وهي التي أحدثت النصب؟! هذا مَحلُّ نظر.