للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذاً: (إِضْمَارُ أَنْ) مبتدأ، (حَتْمٌ) أي: واجبٌ بعد (حَتَّى)، (إِضْمَارُ أَنْ حَتْمٌ) بعد (حَتَّى)، (بَعْدَ) هذا ظرف مكان، فإمَّا أن يكون مُتعلِّقاً بـ (إِضْمَارْ) وهذا واضح: أنْ يكون مَحلَّ الإضمار بعد (حَتَّى)، وإمَّا أن يكون مُتعلِّقاً بـ (حَتْمٌ) حينئذٍ نقول: إِضْمَارُ أَنْ حَتْمٌ بَعْدَ حَتَّى، فيكون منصبَّاً على الحكم .. إذا تعلَّق الظرف هنا (بَعْدَ) بـ (حَتْمٌ) حينئذٍ تَعلَّق به على جهة انصباب الحكم عليه وهو التَّحتُّم، وإن كان مُتعلِّقاً بـ (إِضْمَارُ) حينئذٍ يكون الحكم منصبَّاً على المكان، وكلاهما جائز ولكن بـ (إِضْمَار) أولى.

(وَبَعْدَ) مضاف، و (حَتَّى) قُصِد لفظه مضافٌ إليه، (هَكَذَا) هذا حالٌ من الضمير المستتر في الخبر الذي هو (حَتْمٌ) أي: واجبٌ، إذاً: (إِضْمَارُ أَنْ حَتْمٌ بَعْدَ حَتَّى) النَّاصبة للفعل المضارع على مذهب الكوفيين، وأجازوا إظهار (أَنْ) بعدها توكيداً كما أجازوا ذلك بعد لام الجحود.

لَمَّا كانت لام الجحود هي النَّاصبة عند الكوفيين، وكذلك (حَتَّى) هي النَّاصبة عند الكوفيين لم يجعلوا ثَمَّ ما يمنع من إظهار (أَنْ) بعد هذه النَّواصب، حينئذٍ قد يجتمع (حَتَّى) مع (أَنْ) كما يجتمع لام الجحود مع (أَنْ)، فيُنْصَب المضارع بـ (أَنْ) ظاهرةً بعد لام الجحود، وَيُنْصَب المضارع بـ (أَنْ) ظاهرةً بعد (حَتَّى) وكذلك بعد (أَوْ) عند الكوفيين، لأنَّهم لا يرون أنَّ هذه المواضع مِمَّا يُضمر فيه (أَنْ) بل يجوز فيها الذِّكر ويجوز فيها الحذف.

حينئذٍ نقول: هل سُمِع إظهار (أَنْ) بعد لام الجحود .. هل سُمِع إظهار (أَنْ) بعد (حَتَّى)؟ لم يُسْمَع، فدل على أنَّه لا يجوز أن يُظْهَر بعد هذه الحروف، حينئذٍ يتعيَّن القول بأنَّ النَّاصب مضمرٌ بعدها.

(وَبَعْدَ حَتَّى هَكَذَا إِضْمَارُ أَنْ) .. (كَجُدْ حَتَّى تَسُرَّ) (جُدْ) هذا فعل أمر والفاعل ضمير مستتر وجوباً، و (حَتَّى) حرف جر بمعنى: (كَيْ)، (حَتَّى تَسُرَّ) (تَسُرَّ) فعل مضارع منصوب بـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً بعد (حَتَّى)، وعلى مذهب الكوفيين (تَسُرَّ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (حَتَّى) نفسها، والصَّواب: مذهب البصريين.

(تَسُرَّ) أنت (ذَا حَزَنْ) مفعولٌ به (ذَا) بمعنى: صاحب منصوبٌ بالألف وهو مضاف، و (حَزَنْ) مضافٌ إليه.

ومثله: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ)) [الحجرات:٩] (تَفِيءَ) فعلٌ مضارع منصوبٌ بـ (حَتَّى) على مذهب الكوفيين.

وبـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً بعد (حَتَّى) على مذهب البصريين، والغالب في (حَتَّى) حينئذٍ أن تكون للغاية، بمعنى: (إلى) نحو قوله تعالى: ((لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) [طه:٩١] فـ (يَرْجِعَ) غايةٌ لما قبلها، (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ) سيستمر العكوف إلى أن (يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) إذاً: الرجوع .. رجوع موسى غاية لِمَا قبله، فصارت (حَتَّى) هنا غاية.

وعلامتها: أن يصلُح في موضعها (إلى): ((حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) [طه:٩١] إلى أن يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى، إذاً: صحَّ مجيء (إلى) في محلها.