للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقتضين جملتين، بل فعلين، ولذلك نَصَّ النَّاظِم على الفعلين: (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) أحدهما يُسمَّى شرطاً، والثاني وهو المتأخِّر يُسمَّى جواباً وجزاءً، ويجب في الجملة الأولى أن تكون فعليَّة، وأمَّا الثانية فالأصل فيها أن تكون فعليَّة، ولذلك قلنا: (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) فعلين تأصيلاً وواقعاً في الشَّرط، وتأصيلاً لا وقوعاً في الجواب، تأصيلاً ووقوعاً في الشَّرط، يعني: الأصل فيه من جهة القواعد والقياس أن يكون فعلاً، والواقع موافق للقياس والأصل.

وأمَّا الجواب فالتأصيل والأصل أن يكون فعلاً لكن الواقع ليس كذلك، قد يقع فعلاً وهو كثير، وقد لا يقع فعلاً، ويَجوز أن تكون اسْميَّة: إنْ جاء زيدٌ أكرمته، وإنْ جاء زيدٌ فله الفَضْل.

(فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) ما هما هذان الفعلان؟ أبْهَمَ النَّاظِم، مع كون الفعل يكون على ثلاثة أنْحاء: ماضي ومضارع وأمر، فَفَسَّره بقوله: (وَمَاضِيَيْنِ) ثُم بَيَّن الفعلين اللذين تقتضيهما هذه الأدوات فقال: (مَاضِيَيْنِ) أو (مُضَارِعَيْنِ) أو (مُتَخَالِفَيْنِ) ذكر ثلاثة .. القسمة ثلاثية، لكن (مُتَخَالِفَيْنِ) يشتمل على قسمين، وإلا قال: أو .. أو مرتين، (مَاضِيَيْنِ أَوْ مُضَارِعَيْنِ) قسمان (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) هذا الثالث، من أين الرابع؟ الرابع داخل في قوله: (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ).

إذاً قوله: (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) هذه مُجمل، لأنه يَحتمل فعل الأمر، ويَحتمل الفعل الماضي، ويَحتمل المضارع، فبَيَّن بقوله: (وَمَاضِيَيْنِ) هذا مفعول ثانٍ مُتقدِّم لقوله: (تُلْفِيهِمَا) تجدهما، الهاء هنا مفعول أول، و (مَاضِيَيْنِ) مفعولٌ ثاني، و (أَوْ) هذا حرف عطف، (مُضَارِعَيْنِ) معطوف على (مَاضِيَيْنِ)، (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) معطوف على (مَاضِيَيْنِ).

إذاً: قد يكون الفعلان ماضيين، وما المراد بالماضي هنا؟ قلنا: الماضي على ثلاثة أقسام:

- ماضٍ لفظاً ومعنىً، ومعنىً لا لفظاً، ولفظاً لا معنىً، هل كلها داخلة هنا؟ لفظاً ومعنىً ليس مراداً، فـ: (مَاضِيَيْنِ) لفظاً لا معنىً، لأن أدوات الشَّرط تنقل الفعل من الدَّلالة على الحال إلى المستقبل: إنْ جاءني .. ما جاء .. ما وقع المجيء، إنْ جاءني زيدٌ أكرمته، ما وقع، وإنَّما المجيء مُعلَّق في المستقبل، إذاً: هو في اللفظ ماضٍ وفي المعنى مستقبل.

إذاً: (مَاضِيَيْنِ) قَيِّدْها: لفظاً لا معنىً، إمَّا لفظاً ومعنىً لا يقع .. لا يقع جواب الشَّرط ولا فعل الشَّرط.

(مَاضِيَيْنِ) لفظاً لا معنىً لأن هذه الأدوات تقلب الفعل للاستقبال شرطاً أو جواباً، سواءٌ في ذلك (كان) أو غيرها على الأصَّح، يعني: حتى لفظ (كان) تنقلها إلى المستقبل .. حتى لفظ (كان) الذي أصل وضعه للدَّلالة على الزمان الماضي ويدلُّ على الزمان، وقيل: إنَّه مُجرَّد من الحَدَث، حتى (كان) تنقلها أدوات الشَّرط إلى المستقبل.

قال تعالى: ((وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)) [المائدة:٦] (كُنْتُمْ) يعني: في المستقبل.

إذاً: (مَاضِيَيْنِ) نقول: لفظاً لا معنىً.

قال الشَّارح: إذا كان الشَّرط والجزاء جملتين – يُعبِّر بالجملتين هذا فيه نظر! – فيكونان على أربعة أنْحاء: