للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا) الجزاء، قلنا: قصره للضرورة (حَسَنْ)، (وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) لو كان العكس: كان الأول مضارع، والثاني مضارع حِينئذٍ (وَهَنْ) يعني: ضعيف، واردٌ سَمَاعاً لَكنَّه يضعف أن يُرْفَع الثاني .. المضارع إذا كان فعل الشَّرط كذلك مضارع.

وإنَّما اسْتُسِيغ فيما إذا كان فعل الشَّرط ماضياً، وأمَّا إذا كان مضارعاً فهو ضعيف، إذاً: فرقٌ بين (حَسَنْ) و (وَهَنْ)، (حَسَنْ) في الأول لأنَّه مضارعٌ بعد ماضٍ فلا إشكال فيه، وأمَّا إذا كان الأول مضارع والثاني مضارع فالأصل أنْ يُجزما معاً، لأنَّه هو أعلى الدرجات.

قلنا: أعلى الدرجات أن يكون فعل الشَّرط مضارعاً، لأنَّه الأصل وكذلك أن يكون جواب الشَّرط.

(وَرَفْعُهُ) أي: رفع الجزاء، (رَفْعُ) مبتدأ، من إضافة المصدر إلى مفعوله، رَفْعك أنْتَ الجزاء، (رَفْعُهُ) الضمير يعود على الجزاء، (بَعْدَ مُضَارِعٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (وَهَنْ) يعني: ضعف، و (رَفْعُ) مبتدأ، وخبره (وَهَنْ) يعني: فعل ماضي (وَهَنَ) فعل ماضي مبني على الفتح المقدَّر، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على .. ما هو الذي وهن؟ الرَّفع، رفع الجزاء بعد المضارع وهن هو، أي: الرَّفع.

إذاً: (وَرَفْعُهُ) رفع الجزاء (بَعْدَ مُضَارِعٍ) ليس على إطلاقه، بل مَحلُّه في غير المنفي بـ: (لم) كما سبق، (وَهَنْ) أي: ضعف، وظاهره أنَّه لا يَختصُّ بالضرورة، وظاهر كلام سيبويه أنَّه مُختصٌّ بالضرورة، فإنَّه قال: " وقد جاء في الشِّعْر " يعني: الأخير هذا (وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ) النَّاظِم قال: (وَهَنْ) يعني: ضعف، ضعيف، هل هو مُختصٌّ بالضرورة في الشِّعر، أم أنَّه يجوز في النَّثر مع ضعفه.

ولذلك سبق إذا قيل: ضعيف أو لُغيَّة، حِينئذٍ يجوز استعماله لكنَّه ليس بفصيح، فإذا قيل: (وَهَنْ) رفع المضارع .. (بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) يعني: ضعف، هل معنى ذلك أنَّه مُختصٌّ بالضرورة أم لا؟ ظاهر كلام النَّاظِم هنا لا .. ليس مُختصاً بالضرورة، وإنَّما أطلقه فدلَّ على أنه ضعيف مُطلقاً، يعني: يَجوز استعماله في النَّثر لكن على وجهٍ ضعيف، ومذهب سيبويه وظاهر كلامه أنَّه خاصٌّ بالشِّعْر.

(وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) أي: إذا كان الشَّرط ماضياً والجزاء مضارعاً جاز لك وجهان: جزم الجزاء ورفعه، لكن الجزم على اعتبار والرَّفع على اعتبار، الجزم على اعتبار أنَّه جواب الشَّرط نفسه، وأنَّ العامل فيه أداة الجزم، ورفعه على أنَّه منفكٌ عن أداة الشَّرط .. منفصلٌ عنها، حِينئذٍ جواب الشَّرط يكون مَحذوفاً، وهذا مُتقدِّم عن تأخير، هذا ظاهر كلام سيبويه.

جاز جزم الجزاء ورفعه، وكلاهما حسنٌ .. كلاهما الرَّفع والجزاء حسنٌ، وذهب بعض المتأخرين إلى أنَّ الرَّفع أحسن من الجزم والصواب عكسه، قال في (شرح الكافيَّة): " الجزم مُختار والرَّفع جائزٌ كثير " ولذلك عَبَّر عنه بـ: (حَسَنْ) فلا يلزم أن يكون الجزم ليس بأحسن، بل الجزم أحسن وهو حسنٌ، حِينئذٍ يجوز وهو فصيح، لكن قال في (شرح الكافيَّة): " المختار الجزم، والرَّفع جائزٌ كثير ".