للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والثاني -الذي يُكتَفَى بكلامٍ يشير إلى القسم الثاني- نحو قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)) [آل عمران:٧] هذا تقسيم ((فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)) [آل عمران:٧] أي: وأمَّا غيرهم، ما ذكر القسم الثاني، وإنَّما اكتُفي بكلامٍ يدل على القسم الثاني، حِينئذٍ هل نقول هنا للتَّفصيل؟ نعم، نقول: هي للتفصيل، بِخلاف: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، ليست للتَّفصيل قطعاً، لكن قد تأتي للتفصيل وهو غالب أحوالها، ثُم الغالب أن يُذكر القسمان معاً: أمَّا وأمَّا .. هذا الغالب.

وقد يُذكَر (أمَّا) القسم الأول ويُكتفى به عن الثاني، وقد يُذكر القسم الأول ويُذكر كلامٌ آخر يدلُّ على الثاني، إذاً: فرقٌ بين المسألتين: أن يُذكَر القسم الأول ويُستغنى به عن ذكر القسم الثاني، أو يُذكَر القسم الأول ويُذكَر معه كلام آخر يَدلُّ على القسم الثاني.

هنا: وأمَّا غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم، هذا مدلولٌ عليه بـ: ((ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)) [آل عمران:٧] فذكر كلاما يدلُّ على القسم الثاني، وقد تأتي لغير تفصيلٍ نحو قوله: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، هنا ليست فيها تفصيل، وإنَّما هي شرطيَّة وتوكيديَّة على رأي الزَّمَخْشري، وليس فيها من التفصيل شيء.

وأمَّا التوكيد -المعنى الثالث- فقلَّ من ذَكَره من النحاة، قال الزَّمَخْشري: "فائدة (أمَّا) في الكلام أن تعطيه فضل توكيد" هنا أطلق الزَّمَخْشري، جَعَلَ (أمَّا) مطلقاً في كل كلام تفيده فضل توكيد، يعني: زيادة توكيد، تقول: ذاهبٌ أنْتَ، فإذا قَصَدْتَ توكيد ذلك: وأنَّه لا مَحالة ذاهبٌ، وأنَّه بِصدد الذَّهاب، وأنَّه منه عزيمة قلت: أمَّا زيدٌ فذاهبٌ، هذا فيه معنى التوكيد، لكنَّه قد لا يكون ملازماً لها، ولذلك قلَّ من ذكره من النُّحاة أو غيرهم.

أمَّا زيدٌ فذاهبٌ، قال: ولذلك قال سيبويه في تفسيره - ليس في تفسير كتاب، إنَّما في تفسير (أمَّا) –: مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ ذاهبٌ، وهذا التفسير مُدلٍ بفائدتين: بيان كونه توكيداً، وأنَّه في معنى الشَّرط: أمَّا زيدٌ فذاهبٌ .. مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ ذاهبٌ، قال: هذه فيها معنى التوكيد.

على كلٍّ: معنى التوكيد ليس بذاك الظَّاهر، إن أُكِّد فحِينئذٍ قد يكون بالجملة الاسْميَّة .. قد يكون بشيء آخر، أمَّا لفظ (أمَّا) لوحدها مع مدخولها .. ولذلك أكثر النحاة وغيرهم إعراضاً عن هذا المعنى، قد يُقال بقرائن، أمَّا مُلازم .. يكون التَّوكيد ملازماً لـ: (أمَّا) هذا مَحلُّ نظر.

ولذلك أكثرهم يقولون: حرف شرطٍ دائماً وتفصيل غالباً، فالتفصيل واضح أنَّه غالب، وعلى التفصيل الذي ذكرناه.

إذاً: (أمَّا) حرفٌ بسيط فيه معنى الشَّرط والتَّفصيل والتَّوكيد، هكذا قال ابن هشام في (التَّوضيح) وذكرنا أدلة كل واحدٍ من هذه المعاني.