فقوله: (وَعَدِّ الأَحْرُفِ) فُهِم منه شرط التَّعرِّي من العلامة، إذ لولا غرض التنبيه -هو هذا- لم يكن له فائدة، لأنَّ (عَدَّ الأَحْرُف) معروفٌ من قوله: (الرُّبَاعِي)، لما قال: (رُبَاعِي) علمنا أنَّه أربعة أحرف، لَمَّا قال (عَدِّ الأَحْرُفِ) هذا تأكيدٌ على أنَّه مؤنَّث بلا علامة تأنيث.
حينئذٍ الخلاصة نقول: ما كان على وزن (أَفْعُل) يَطَّرد قياساً في نوعين، يعني: في مفردين، اشتمل على شروط:
المفرد الأول: أن يكون على وزن (فَعْلٍ) بفتحٍ فسكون (اسْماً صَحَّ عَيْنَاً) إذا تَخلَّف الأول أو الثاني لم يَصِح جمعه على وزن (أَفْعُلْ).
النوع الثاني: أن يكون هذا المفرد على أربعة أحرف، وفيه مدٌّ قبل آخره، يعني: ثالثه حرف مد، سواءٌ كان واواً، أو ألفاً، أو ياءً، ثُمَّ هو مؤنَّث بلا علامة، فإن تَخلَّف شرطٌ من هذه الشُّروط الأربعة حينئذٍ لا يُجمع على وزن (أَفْعُلْ).
قال الشَّارح: " (أَفْعُلُ) جمعٌ لكل اسمٍ ثلاثيٍّ " وهذا واضح، لأنَّه قال: (لِفَعْلٍ)، قلنا: فتح الفاء وسكَّن العين، ثُمَّ هو على ثلاثة أحرف، على (فَعْلٍ) صحيح العين، قلنا: احترز به من معتلِّ العين، نحو: جُوْن، يُقال للأبيض والأسود، وشمل الصحيح في مثل ما ذكرناه: كَلْبٍ وَأَكْلُبْ، وَظَبْيٍ وَأَظْبٍ، وأصله: أَظْبُيٌ قُلِبت الضَّمَّة كسرة لتِصحَّ الياء فصار: أَظْبِيٌ، فَعُومل معاملة: قاضٍ، أدلٍ، وأظبيٍ مثل: قاضي.
ومعتلَّ الفاء نحو: وَجْه وَأَوْجُه، ومعتلَّ اللام نحو: دَلْوٍ .. أَدْلٍ، وَظَبْيٍ وَأَظْبٍ، لأنَّه اشترط: (صَحَّ عَيْنَاً) مفهومه: أنَّه لو اعتلَّت فاؤه وكان اسماً على وزن (فَعْلٍ) جُمِع هذا الجمع، لو كانت لامه مُعتلَّة بواوٍ أو ياء، وهو اسمٌ على وزن (فَعْلٍ) كذلك جُمِع بهذا الوزن.
وخَرج بالاسم: الصفة، فلا يجوز جمع نحو: صَعْبٍ وَأَصْعُب، وَضَخْمٍ وَأَضْخُم، وَسُمِع: عَبْد وَأَعْبُد، لاستعمال هذه الصفة استعمال الأسماء .. غَلَبَت عليه الاسْميَّة وإلا هو صفة.
وخرج بـ: صحيح العين، المعتلُّ العين نحو: ثَوْب وَعَين، شذَّ عين وَأَعْيُن: ((وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ)) [الزخرف:٧١] جاء في القرآن، نقول: هذا شاذٌّ قياساً لا استعمالاً، يعني المراد: أنَّه خلاف المطَّرد.
وإذا كان في نفسك حزازة من قوله: شاذ في القرآن ما في بأس، قل: خالف المُطَّرد، لأنَّ المُطَّرد: أن يكون على وزن (فَعْلٍ) صحيح العين، كثير في لسان العرب أن يكون مجموع (أَفْعُل) ما كان صحيح العين، خالف هذا الكثير أن يكون مُعتلَّ العين، فحينئذٍ إذا جمع على وزن (أَفْعُل) اصطلح النُّحاة على أنَّه يسمى: شاذاً، والشَّاذ هو المنفرد، أليس الشذوذ هو الذي انفرد بشيء؟
حينئذٍ نقول: حتى مصطلح أهل اصطلاح الحديث يُعَبِّرون بالشَّاذ الذي انفرد، حينئذٍ انفرد عن القاعدة .. عن المطَّرد، وهذا اصطلاح لا بأس به، حتى لو قيل في القرآن، لكن الشَّاذ استعمالاً الذي لم ينطق به العربي الفصيح، وإنَّما جاء هكذا من أجل كشف أصلٍ، نقول: هذا لا يجوز أن يقول في القرآن، لأنَّه ليس بفصيح، ولا يمكن أن يُقال في القرآن ما ليس بفصيح، وأمَّا هذا (أعين) هو فصيح لكنَّه ليس مُطَّرداً.