فحينئذٍ تحكم على زيد من قولك: جاء زيد بأنه فاعل والذي دلك على هذه المقدمة الصغرى هو الحد ثم ما حكم الفاعل هل هو مرفوع أو منصوب أو مجرور؟ وكل فاعل مرفوع، هذه قضية كلية يشمل زيداً وغيره، من أين أخذنا هذه القاعدة، ما دليلها؟ استقراء كلام العرب، نظر في الكتاب وفي السنة، وفيما ورد من فصحاء العرب حينئذٍ أثبتنا بالاستقراء والتتبع أن كل فاعل مرفوع.
ينتج لنا نتيجة مسلم بها وهي: أن زيد من قولك: جاء زيد فاعل مرفوع، إذاً علم بأصول بقاعدة الفاعل مرفوع ينتج لنا العلم بآحادها وأفرادها، النتيجة نقول: علم بأصول أي: بهذه القواعد ينتج لنا ماذا؟ العلم بمفردات هذه القواعد، هذه القواعد إنما تبحث في كتب النحو وأنت الذي تستخلصها يعني: تحفظها وتفهمها، ثم تطبقها على تلك الجزئيات.
إذاً: يطلق العلم على القواعد المعلومة التي من شأنها أن تعلم لما علم بالفعل؛ لأن النحو له حقيقة في نفسه سواء علم أو لم يعلم، وإطلاق العلم على القواعد المعلومة بالفعل حقيقة عرفية كإطلاقه على الملكة أي الكيفية الراسخة في النفس التي يقتدر بها على استحضار ما كانت علمته واستحصال ما لم تعلمه، وأما إطلاقه على الإدراك فحقيقة لغة وعرفاً هذا هو الصواب في العلم: أنه يطلق ويراد به الإدراك، ثم استعماله في الملكة أو استعماله في القواعد هذا ليس على أصل المعنى اللغوي.
وأما إطلاقه على فروع القواعد أي: المسائل الجزئية المستخرجة منها بجعل قاعدة كبرى لصغرى سهلة الحصول: هكذا زيد من قام زيد فاعل وكل فاعل مرفوع فزيد من قام زيد مرفوع، هذا فيه تجوز عند الحكماء ويعتبر من المجاز لكنه معمول به.
بأصول: المراد بالأصل: الأصل الاصطلاحي، وهو المراد في القاعدة والقانون والضابط والأساس، وهي قضية كلية يتعرف بها على أحكام الجزئيات موضوعها، فقاعدة الفاعل مرفوع مثلاً: لها جزئيات، وجزئياتها: كل اسم صدق عليه حد الفاعل، أولاً الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا فهم الحدود ونزلها على الآحاد والمفردات حينئذٍ صح له أن يسمي الفاعل: فاعلاً، والمفعول به، مفعول، والمضاف، والتمييز، والحال إلى آخره.
ولذلك قد يخلط الطالب بعض المسائل في التمييز والحال أو في المضاف والمضاف إليه، خاصة إذا كان في باب المبنيات، ليس له مرد في ضبط هذه المسائل إلا الرجوع إلى الحدود أنفسها، فيضبطها على الوجه الصحيح ويستحضرها حينئذٍ يصح له الاستدلال على إثبات هذا الآحاد أو هذا الفرد بأنه فاعل أو مفعول.
ومن هنا تأتي صعوبة النحو عند الطلاب؛ لأنه إذا أراد أن يعرب لا بد أن يستحضر كل هذا الحدود، وأن يكون مستحضراً لشروط كل باب واستثناءات كل باب، فإذا أراد أن يعرب وجهاً صحيحاً لا اعتراض عليه لا بد وأن يستحضر النحو كله من أوله إلى آخره.
ولذلك تقول: قال محمد هو ابن مالك انظر! قال هذا يتعلق في بحث الأفعال الفعل الماضي، قال محمد: هذا له ارتباط بالأعلام، هو: بالضمائر، ابن مالك: مضاف ومضاف إليه، أحمد ربي الله خير: إعراب تقدير بالظاهر إلى آخره، لا بد أن يستحضر الحدود كلها.