للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه الألفاظ المذكورة الآن: مَنْ وَمَا وَأَلْ، تُسَاوِي الذي ذُكر سابقاً من الموصولات، في كونه يستعمل في جميع ما مضى، مساويةً لها مطلقاً بلا تفصيل، فيستعمل اللفظ الواحد مراداً به كل ما ذكر –السابق- المفرد والمثنى والجمع، لا تفصيل بينها، لا نقول: هذا للمفرد المذكر، والتي للمفردة المؤنثة، والأُلى .. وكذا إلى آخره، هذه كلها التفصيلات لا تأتي هنا، وإنما هو لفظ واحد يعبر به عن الجميع.

أولها: مَنْ، قال::

وَمَنْ: ومن هذه الأصل فيها أنها تكون للعاقل، تستعمل في العاقل بكثرة، وفي غيره بقلة، يعني قد تستعمل في غير العاقل لكنه قليل، وبعضهم يعبر أيضاً كما ذكرنا سابقاً: عاقل بدلاً منه يقول: عالم ((وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)) [الرعد:٤٣].

إذاً: الأصل في (من) أنها تستعمل للعاقل، أو إن شئت قل للعالم، وقد تخرج عنه لغيره، لكن لا تخرج عنه لغيره إلا لقرينة، إلا لسبب، إلا لموجب، إلا لمعنى بلاغي، لا بد من هذا.

وذكر ابن هشام أنها تخرج عن العاقل إلى غيره في ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: أن يقترن غير العاقل مع من يعقل في عمومٍ فُصِّل بـ (من) الجارة ((فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ)) [النور:٤٥] ((وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ)) [النور:٤٥] هذا عموم، دابة تطلق على من يعقل ومن لا يعقل، ثم جاء التفصيل -تفصيل هذا العموم- بـ (من) الجارة .. فمنهم، ومنهم، ومنهم.

قال:: ((مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ)) [النور:٤٥] هذا قطعاً أنه غير عاقل، ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ)) [النور:٤٥] هذا فيه عاقل وفيه غير عاقل، أليس كذلك؟

إذاً هذا استعملت (من) هنا في غير العاقل لوجود قرينة، هذه القرينة ما هي؟ جمع بينهما -بين العاقل وغير العاقل- في لفظ واحد، ثم جاء هذا العموم مفصلاً في مثل هذا التراكيب، يعبر بـ (من)، إذا صار اختلاط بين العاقل وغير العاقل يعبر بـ (من).

إذاً: أن يقترن غير العاقل مع من يعقل، في عموم فُصِّل بـ (من) الجارة، نحو قوله تعالى: ((فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ)) [النور:٤٥] هذا فصل ماذا؟ ((وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ)) [النور:٤٥] هذا العموم.

الموضع الثاني: أن ينزل منزلته، بمعنى أنه يشبه غير العاقل بالعاقل، إذا شبه به حينئذٍ أخذ حكمه، فاستعمل فيه اللفظ على جهة المجاز، وذكرنا الآية السابقة التي هي ((مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ)) [الأحقاف:٥] المراد بها الأصنام.

الموضع الثالث: الذي يستعمل (من) وهي للعاقل في غيره: أن يجتمع مع العاقل فيما وقعت عليه (من) نحو: ((كَمَنْ لا يَخْلُقُ)) [النحل:١٧] لشموله للآدميين والملائكة والأصنام، ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ)) [الحج:١٨] اجتمع معهما وهذا التفريق بينه وبين السابق فيه تدقيق.