للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال رحمه الله تعالى: والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا: الأَصْلُ، يطلق الأصل ويراد به عدة معاني، الأصل في اللغة ما يبنى عليه غيره، وأما في الاصطلاح فيطلق على معان ومنها الراجح، يقال الأصل في الكلام هو الحقيقة، يعني حمله عند المخاطب أن يحمله على حقيقته دون مجازه، حينئذ نقول: هذا حمل للكلام على أصله، والأصل: أي الراجح، تقديم المبتدأ وتأخير الخبر.

وَالأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أَنْ تُؤَخَّرَا: في الأخبار جمعها لماذا؟ لأن الخبر أقسام، الأخبار جمع خبر، والجمع هنا باعتبار كونه مفرداً وجملة وظرفاً ومجروراً، يأتي هذا ويأتي ذاك، فلما تعددت أنواع الخبر حينئذ جاز أن يجمعها المصنف باعتبار الآحاد، وأما هو في نفسه فهو شيء واحد؛ لأنه هو الجزء المتم الفائدة، وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ، حينئذ لما كان معناه واحداً، وهذا المعنى موجود في أقسامه حينئذ صح الجمع باعتبار آحاده وأنواعه.

والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا: الأَصْلُ: مبتدأ، تُؤَخَّرَا: هذا فعل مضارع مغير الصيغة، والألف هذه للإطلاق، والضمير المستتر نائب فاعل، أَنْ وما دخلت عليه في تأويل مصدر: والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ تأخيرها، أو التأخر.

وَالأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا: لما ذكرناه؛ لأنها وصف في المعنى للمبتدءات فحقها التأخير كالوصف.

وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لاَ ضَرَرَا: هذا هو النوع الأول الذي ذكره المصنف من أنواع وأحكام الخبر، قلنا ثلاثة أقسام: النوع الأول الذي ذكره المصنف هو جواز التقديم والتأخير، يجوز الوجهان أن يقدم الخبر وأن يؤخر الخبر.

وَجَوَّزُوا: أي العرب، يعني نطقوا بالحالين: خبر مقدم، وخبر مؤخر، دون وجود مقتض أو مانع، مقتض للتقديم أو مانع عن التقديم، وحينئذ نطقوا بهذا وذاك.

أو: وَجَوَّزُوا: يعني النحاة، حكموا بجواز كل من الأمرين، يجوز في مثل هذه التراكيب أن يحمل الضمير هنا على النحاة أو على العرب، النحاة بمعنى أنهم حكموا وليس لهم أن يضعوا قواعد وأصول، والعرب بمعنى أنهم نطقوا وتلفظوا بالألفاظ التي استنبط منها النحاة الأحكام.

وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: لأن الخبر وإن كان يشبه الصفة؛ لأننا إذا قلنا الأصل في الخبر أنه محمول على الصفة، فحينئذ الصفة لا تتقدم على الموصوف، قلنا الأصل في الخبر أن يتأخر؛ عللناه بعلة وهي أنه وصف في المعنى، والمبتدأ موصوف، حينئذ صار أصله التأخير، قد يرد علينا إذا جوزنا تقديمه قلنا هو في معنى الوصف والوصف لا يتقدم على موصوفه، نقول: الأصل التأخير باعتبار كونه وصفاً في المعنى، وجواز التقديم لكونه لم يشبه الوصف من كل وجه، هو ليس بوصف حقيقة حتى نقول: يمتنع تقديمه، نقول: ذاك تعليل فيما جاء النطق به مؤخراً هذا الأصل فيه، فحينئذ العلة ليست سابقة على الحكم، بل الحكم وجد ثم علل .. الحكم وجد نطق العرب بالخبر متأخراً سواء عرفنا العلة أم لا ننطق كما نطقوا، لكن استنبط النحاة هذه العلة وهي كونه وصفاً.