للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والقياس في هذه الأفعال الأصل فيها أنها لا تعمل، لماذا؟ لأنها قاصرة، الأصل في الفعل أنه يطلب فاعلاً ويطلب مفعولاً، هذا الأصل فيه، وأما أنه يختص بالدخول على جملة اسمية ويكون مقيداً بأحكامها، حينئذٍ هذا قصور في الفعل، وإلا الأصل علو الفعل من حيث العمل على الاسم، الأصل في العمل للأفعال، ولما كان هذا الفعل- (كان) وأخواتها- من حيث المعنى مختلف فيه: هل هو دال على حدث أم لا؟ وهل يتعلق به الظرف أو الجار والمجرور؟ وهل أحكام الخبر من حيث التقدم والتأخير باقية على أصلها بعد دخول كان؟ ضعف، لم يكن له قوة مثل ما كانت الجملة الاسمية قبل دخول (كان) فلها أحكامها من حيث التقديم والتأخير المبتدأ والخبر على ما ذكرناه، هذه باقية نفس الأحكام .. باقية كما هي بعد دخول (كان)، وهذا يدل على أنها لم يجعل لها التصرف التام في الجملة الاسمية، وحينئذٍ صارت (كان) منضبطة بالمبتدأ ومنضبطة بالخبر من حيث التقدم والتأخير، وهذا نقص فيها، فكان الأصل أنها لا تعمل.

والقياس في هذه الأفعال ألا تعمل شيئاً لأنها ليست بأفعال صحيحة؛ إذ دخلت للدلالة على تغيّر الخبر بالزمان الذي يثبت فيه، وإنما عملت تشبيهاً لها بما يطلب من الأفعال الصحيحة اسمين نحو (ضرب).

(ضرب) هذا يطلب اسمين، أحدهما فاعل، والثاني مفعولاً به، ألحقت (كان) لكونها دخلت على اسمين مبتدأ وخبر بضرب، وحينئذٍ رفعت ونصبت، على كل الأصل فيه السماع وهذا التعليل فيه نظر.

ورفع اسمها تشبيهاً بالفاعل من حيث هو مُحَدَّثٌ عنه، ونصب الخبر تشبيهاً بالمفعول.

وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على الحال، ورُدَّ بوروده مضمراً -جاء ضمير- كان هو زيد، والحال لا تقع ضميراً، وكذلك جاء معرفة والحال لا تكون معرفة، وأيضاً لا يستغنى عنه، والحال يمكن في بعض الأحوال أنه يستغنى عنها، إذاً ثم فرق بين كونه حالاً وبين كونه خبراً، والأحسن أن يقال بأن (كان) قبل دخولها الخبر عمدة، والعمدة هنا لا يجوز حذفه، فالأصل بقاء ما كان على ما كان .. هذا هو الأصل؛ لأن الأحكام باقية في الأصل إلا ما استثني، أحكام المبتدأ والخبر باقية إلا جملة منها تغيرت وتبدلت بعد دخول كان.

حينئذٍ الخبر قبل دخول كان نقول: هذا كان عمدة، فلما دخلت (كان) بقي على أصله، ولذلك نقول: تَرْفَعُ كَانَ الْمُبْتَدَا اسْمَاً وَالْخَبَرْ ... تَنْصِبُهُ، إذاً المبتدأ قبل دخول كان هو اسم كان، ويبقى على أصله أنه عمدة، والخبر قبل دخول كان هو خبر كان أيضاً، والأصل أنه عمدة.

ثم قد يكون معرفة، وقد يكون ضميراً، وقد يكون لا يستغنى عنه، بل هو الأصل أنه لا يستغنى عنه، وحينئذٍ لا يمكن أن يعرب حال، ولذلك مذهب الكوفيين يعتبر ضعيفاً في هذا المحل.

ورد بوروده مضمراً ومعرفة وجامداً، وأنه لا يستغنى عنه، وليس ذلك شأن الحال؛ لأن الحال وإن كانت منصوبة مثل خبر كان، إلا أنه قد يستغنى عنها، ثم هي ملازمة للتنكير ولا تكون معرفة إلا على تأويل.

وجوّز الجمهور رفع الاسمين بعد (كان) كما في قول الشاعر:

إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ