وقد سمع زيادتها بين الفعل ومرفوعه، هذا سماعي. والأمثلة التي ذكرها الشارح أمثلة مولدة، يعني ليست مسموعة.
سمع زيادتها بين الفعل ومرفوعه: وَلَدتْ فاطمةُ - بنتُ الخُرْشُبِ الأَنْمَارِيَّةُ الكَمَلةَ من بني عَبْس، لم يُوجَدْ (كانَ) أَفْضَلَ مِنْهُم.
لم يوجد كان أفضل منهم، أفضل: هذا فاعل ليوجد، يوجدْ أوجد يوجد ليس نائب فاعل، ولذلك قال: بين الفعل ومرفوعه. يوجدْ جزم بلم، وأفضل: هذا فاعل يوجد، و (كان) هذه فاصلة زائدة. وسمع أيضاً زيادته بين الصفة والموصوف:
فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتُ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ
وَجِيرَانٍ لَنَا كِرَامِ؛ هنا فصل بين الموصوف والصفة، أين الموصوف؟ وَجِيرَانٍ، وكِرَامِ: هذا الصفة فصل بينهما بـ كَانُوا، لكن ورد إشكال هنا: سيبويه استدل بهذا على أن (كان) تزاد بين الصفة والموصوف، وابن هشام لم يرتضِ هذا، لماذا؟ لأن (كان) هنا عملت، الواو هذا اسمها، وهذا محل إشكال، ولذلك قال: هذا البيت لا يقال بأن (كان) زائدة، وإنما الواو هذه اسم (كان) ولنا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وإنما فيه الفصل بين الموصوف وصفته بالجملة، على حد قوله: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ)) [الأنعام:١٥٥] كِتَابٌ: موصوف، مُبَارَكٌ: صفته، فصل بينهما بالجملة: أَنزَلْنَاهُ، هذا مثله، وحينئذ استدلوا به على الفصل بين الموصوف وصفته بالجملة، أما كونه (كان) زائدة هذا محل إشكال.
أجاب بعضهم: بأنه لا مانع بأن يقال: (كان) مع اسمها تزاد، أنها تزاد (كان) مع اسمها، وحينئذ نقول: لا نقول (كان) هي الزائدة، بل الجملة كلها، فحينئذ: هل ينظَّر هذا بمثل "ظننت" إذا أُهملت وأُلغيت؟ وحينئذ تكون ملغاة هي وفاعلها وهذه مثلها الزيادة، لكن فرق بين الإلغاء وبين الزيادة؛ لأن الأصل الزيادة أنها منافية لا تزاد، إنما الزيادة تكون للحروف، وأما الأسماء فزيادتها شاذة لا يُحمل عليها، ولذلك لا يقال: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:١١] كَمِثْلِ الكاف زائدة لا، وإنما نقول: هي أصلية.
فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتُ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ
وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره كقوله:
سَرَاةُ بَنِيْ أَبِي بَكْرٍ تَسَامَى ... عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ العَرابِ
عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ، على المسوَّمة: جار ومجرور دخلت بينهما (كان).
والأصل فيها أنها تزاد بلفظ الماضي، هذا كثير، وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع؛ لأن (كان) بلفظ الماضي مبنية، فأشبهت الحرف والأصل في الزيادة للحروف، وأما الفعل المضارع فهو معرب وحينئذ يكون قد أشبه الاسم المعرب وزيادة الأسماء شاذة، فما أشبه الاسم حينئذ صارت زيادته شاذة، وما أشبه الحرف من حيث البناء صارت زيادته أصلية، فـ (كان) لماذا نقول: زيادتها قياسية -قياساً-؟ لأنها أشبهت الحرف والجامع هو البناء، هذا مبني وهذا مبني، والحرف يزاد، بل هو الأصل في الزيادة.
و (كان) وتكون الذي هو الفعل المضارع هذا معرب، فأشبه ماذا؟ أشبه الاسم المعرب، والأسماء لا تزاد إلا شذوذاً، وحينئذ زيادة ما أشبهها لأن القاعدة: أن الشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه.