تَعْوِيضُ (مَا) عَنْهَا: تعويض (ما) الزائدة عنها، يعني: عن (كان) المحذوفة، لذلك قال: عَنْهَا ولم يقل عنهما.
ارْتُكِبْ: فتحذف (كان) وجوباً بعد التعويض، يعني: لا يصير الحكم وجوباً، قبل التعويض الحذف جائز، لكن لما عوض عنها حينئذ لا يجوز إرجاع (كان) لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض.
أنَّ (كان) تحذف بعد (أن) المصدرية، ويعوض عنها (ما)، ويبقى اسمها وخبرها.
أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ
كَمِثْلِ أمَّا أنْتَ بَرًّا، أصلها: أن كنت براً، وبعضهم يقدره: لأن كنت براً بلام التعليل ولا إشكال. أن كنت براً، التاء هنا هي اسم (كان)، وبراً: خبرها، احذف (كان)، إذا حذفت (كان) الضمير المتصل ينفصل، صار أنت كنت، هذا متصل، وحينئذ ينفصل، فتقول:(أنْ أنت براً)؛ لأنك حذفت كنت (التاء) كان وبقيت التاء المتصلة فجئنا بالضمير المنفصل، فصار التركيب: أن أنت بعد حذف (كان) براً، عوض عن (كان) ما، فقيل: أن ما أنت، النون مع الميم للتقارب أدغمت، أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ. إذاً (أن): هذا حرف مصدري، و (ما): زائدة، وأنت: هذا اسم (كان) المحذوفة في محل رفع، وبراً: هذا خبر كان المحذوفة، هذا الحذف صار واجباً بعد التعويض، وأما قبله فلا، لا يوصف بكونه واجباً؛ لأنه لما عوض عنها لأنه إذا قلت مثلاً:(التمس ولو خاتماً من حديد) يجوز أن تقول: ولو كان الملتمس خاتماً، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز أن تقول: ولو خاتماً، ويجوز أن تقول: ولو كان الملتمس خاتماً تأتي به وتحذفها، الحذف جائز، أما إذا عوض عنها فحينئذ لا يجوز، خلافاً لمن قال بذلك، وقد قيل به.
إذاً: تحذف بعد (أن) المصدر ويعوض عنها -كذا يقول ابن عقيل- ويعوض عنها (ما) ويبقى اسمها وخبرها نحو: أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ، والأصل: أن كنت براً فاقترب، لأن كنت، قيل هكذا، ابن هشام يقدرها هكذا في التوضيح وفي قطر الندى، فحذفت لام التعليل لأن حذفها مع (أن) مطرد، فحذفت (كان) أن كنت براً حذفت (كان) لكثرة الاستعمال قصداً إلى التخفيف، فانفصل الضمير المتصل؛ لأنه لم يبق في الكلام عامل يتصل به هذا الضمير، فانفصل؛ لأنه لما اتصل به نقول: لكونه عامل، لأن الضمائر لا تتصل إلا بعواملها، وحينئذ لما ذهب العامل انفصل وهو التاء، فصار: أن أنت براً، ثم عوض عنها (ما) عوضاً عن (كان) فصار: أن ما أنت براً، ثم أدغمت النون في الميم فصار: أمَّا أنْتَ بَرًّا، ومثله قول الشاعر:
أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنتَ ذا نفَرٍ ... فَإنَّ قَومِيَ لم تَأكُلهُمُ الضَّبُعُ