للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والشروع في الفعل يلزمه القرب منه، وعليه حينئذٍ فلا تغليب، بل يكون المراد بأفعال المقاربة على أصلها، إما أن تكون بالوضع وهو كاد وأخواتها، وإنما أن تكون بالاستلزام، لأن أفعال الرجاء إذا رجى الفعل دنا منه ولا شك، وهذا معنى القرب. وأفعال الشروع إذا قرب من الشيء من أجل أن يشرع فيه وينشأ فيه حينئذٍ صار قريباً منه، لكن هذا يكون من باب دلالة الاستلزام، وعليه فلا تغليب.

ثلاثة أقسام: الأول: ما دل على المقاربة، يعني أفعال تفهم منها مقاربة مضمون الخبر لمسمى الاسم، وهي ثلاثة سيذكرها الناظم: كاد وكرب وأوشك، وضعت للدلالة على قرب الخبر أي: قرب معناه من مسمى الاسم. قرب الخبر يعني معنى الخبر من مسمى الاسم، هذا معنى أفعال المقاربة. وضعت للدلالة على قرب الخبر، أي: قرب معناه من مسمى الاسم، وقربه منه لا يستلزم وقوعه. إذا قيل: قريب -كاد تدل على قرب خبرها من معنى اسمها- حينئذٍ لا يدل على أنه سيقع، بل قد يستحيل عادة كما في قوله تعالى: ((يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ)) [النور:٣٥] قال: هذا مستحيل، فحينئذٍ لا يلزم من قربه وقوعه، وإنما هذا اللفظ وضع من أجل أن يدل على القرب فحسب، قرب الخبر معناه من مسمى الاسم.

الثاني: ما دل على الرجاء، يعني أفعال دلت على الرجاء، وهي ثلاثة: "عَسَى وحَرَى واخلَوْلَقَ "، يعني: كلها تستعمل بمعنى واحد. عَسَيْتُ بمعنى: رجوت. اخلَوْلَقَ بمعنى: رجى، وحَرَى بمعنى: رجى، هذا المراد أنها كلها تفسر بمعنى واحد، فاللفظ متعدد والمعنى واحد، فعسى هي الأصل وحَرَى وَاخلَوْلَقَ محمولان عليهما.

وضعت للدلالة على الرجاء الخبري، يعني: الطمع في الخبر محبوباً والإشفاق أي: الخوف منه مكروهاً، هذا معنى الرجاء.

والثالث: ما دل على الإنشاء والشروع فيه، وهو كثير -هذه كثيرة- لكن عدَّ الناظم منها: جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ. هذا المشهور منها. وضعت للدلالة على الشروع في الخبر: أَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو: بمعنى أنه شرع، بدأ. فأفعال الشروع كأفعال المقاربة كأفعال الرجاء كلها داخلة تحت مسمى أفعال المقاربة.

قال الناظم:

كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهذَيْنِ خَبَرْ

إذاً: هذا الباب محمول على باب (كَادَ وَأَخَوَاتُهَا)، وعلم أن (كان) ترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها، هذا هو الأصل فيها، فالأصل كل ما جاز هناك أنه يجوز هنا، فالفرع يحمل على أصله، وكل ما اشترط هناك يشترط هنا، والعمل هو العمل، ولذلك قال الناظم:

كَكَانَ كَادَ: كَادَ مثل كَانَ، كَادَ هذا مبتدأ مؤخر قصد لفظه وكَكَانَ، يعني مثل كان هذا خبر مقدم.

كَكَانَ كَادَ: لمقاربة حصول الخبر كَادَ.

وَعَسَى: لترجيه، يعني: ترجي حصول الخبر. حينئذ: كَادَ كَكَانَ في ماذا؟ هل هو في المعنى أو في الحكم؟ وهل هو في مطلق الحكم أو في الحكم المطلق؟ هذه كلها احتمالات، في المعنى منفي؛ لأن (كَانَ) تدل على الزمن فحسب، وإذا كان حدث فحينئذٍ معنى حدثها هو الكون -الحدوث الحصول الثبوت-. إذاً: هذا ممتنع.