وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى نَزْرٌ: أي: اقتران خبر عسى بـ (أن) كثير، وتجريده من (أن) قليل، وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من (أن) إلا في الشعر، ولم يرد في القرآن إلا مقترناً بـ (أن)، قال الله تعالى: ((فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)) [المائدة:٥٢] وكذلك: ((عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)) [الإسراء:٨] عَسَى رَبُّكُمْ ذا رحمة، عسى صفة ربكم الرحمة، إما هذا وإما ذاك. إما أن تقدر في الاسم وإما أن تقدر في الخبر، إما أن يكون المضاف من الاسم وإما أن يكون المضاف من الخبر، لأن ثم إشكال -كما ذكرنا- أن (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر والمصدر معنى، وإذا كان الاسم ذاتاً، حينئذٍ الأصل ألا يخبر باسم المعنى عن اسم الذات، وحينئذٍ إما أن تقدر في اسم الذات أنه مضاف إلى اسم معنى، فيتفقان: اسم معنى عن اسم معنى، وإما أن تقدر في الخبر مضافاً هو اسم ذات، وحينئذٍ صار إخبار باسم الذات عن اسم الذات.
عَسَى رَبُّكُمْ ذا رحمة -صاحب رحمة-، صاحب يدل على الذات.
عَسَى صفة ربكم الرحمة، هذا وجه. إذاً: الكلام حينئذٍ يكون على تقديم مضاف، إما قبل الاسم وإما قبل الخبر.
الوجه الثاني: أن يكون هذا المصدر مؤولاً باسم مشتق، عسى ربكم رحيماً، رحيم هذا مشتق.
الوجه الثالث: أن الكلام على ظاهره، والمقصود المبالغة، عسى زيد القيام، لكن هذا الوجه فيه نوع ضعف، والصواب أنه يؤول على الأول إما بالإضافة وإما بكونه مشتقاً.
إذاً: وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى ... ... نَزْرٌ
يعني الكثير اتصاله بها، والقليل تجرده عنها. فالأعرف في عسى الإثبات: ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا)) [البقرة:٢١٦]، ((فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)) [المائدة:٥٢]، ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا)) [محمد:٢٢] وندر دخول السين في خبر عسى، هذا الأصل، الأصل أن يكون بـ (أل)، لكن ندر دخول السين في خبر عسى:
عَسَى طَيِّئٌ مِنْ طَيِّىءٍ بَعْدَ هذِهِ ... سَتُطْفِئُ غُلاَّتِ الكُلَى وَالْجَوانِح
عَسَى: هذا عسى.
طَيِّئٌ: هذا اسمها.
سَتُطْفئُ: السين دخلت في خبر عسى دون (أن)، لكن هذا نادر وضعيف.
وندر إسناد عسى إلى ضمير الشأن، وهذا سيأتي هناك: وجردن عسى أو ارفع مضمراً.
وحكى غلام ثعلب: عسى زيد قائم، حينئذٍ عسى هنا أعملت في ضمير الشأن، عسى هو، زيد قائم في محل نصب خبر عسى، وهذا محكي، هذا تجعله مع دليل الماضي، جعلتُ قَلُوصاً بمعنى: أنه سمع الجملة الاسمية واقعة موقع الفعل المضارع، وابن عقيل نفاه، والصواب أنه ثابت.
وَكَوْنُهُ: أي الفعل المضارع الواقع خبراً.
وارداً بِدُونِ أنْ المصدرية.
بَعْدَ عَسَى نَزْرٌ: يعني قليل.
وَكَادَ الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا: بمعنى أن الكثير خلوها من (أن)، واليسير -النزر القليل- اتصالها بـ (أن)، عكس عسى.
وَكَادَ: هذا مبتدأ أول.
الأَمْرُ: مبتدأ ثاني.
عُكِسَا: الجملة خبر.
فِيهِ: جار ومجرور متعلق بقوله: عُكِسَا والألف هذه للإطلاق.
فاقترانه بـ (أن) بعدها قليل، والكثير تجرده عن (أن).