للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأن يفعل: سد مسد معموليها، كما في قوله تعالى: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:٢].

الصبان يقول: كلام الناظم محتمل للمذهبين، لكنه صرح في غير هذا الكتاب أنه اختار أنها ناقصة مطلقاً، ولا يكون في هذا الباب تمام البتة، وإنما كلها ناقصة، ولكن استثني أن (أن) ويفعل تسد مسد المعمولين في ثلاثة أفعال فحسب هي التي نص عليها، لذلك: بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكْ قَدْ يَرِدْ .. لا بعد غيرها، قدمه للحصر. قد يرد بعد عسى، فقدم (بعد) هذا متعلق بقوله: يَرِدْ، إذاً لا بعد غير هذه الثلاثة، وحينئذٍ لا يكون من باب التمام وإنما هو من باب النقصان، واكتفي بـ (أن) يفعل عن المعمولين، وتأمل قوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:٢] تدرك المسألة من أصلها.

ومعناه على مذهب الجمهور: غنىً بأن يفعل عن أن يكون لها ثان لتمامها، وعلى مذهب غنىً بأن يفعل عن أول وثان لكن لم يذكر الأول لظهور إغناء (أن) يفعل عنه لوقوعه في محله بخلاف الثاني، وهذا تأويل لأن الصبان يعني أراد أن يحمل البيت على المذهبين.

بَعْدَ عَسَى: أي لا بعد غير هذه الثلاثة وكأنه لعدم السماع.

قَدْ يَرِدْ ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ.

قال الشارح: اختصت عسى واخلولق وأوشك بأن تستعمل ناقصة وتامة. فأما الناقصة فقد سبق ذكرها، وأما التامة فهي المسندة إلى (أن) والفعل، أن يفعل، عسى أن يفعل، نحو: عسى أن يقوم، واخلولق أن يأتي، وأوشك أن فعل، فـ (أن) والفعل في موضع رفع فاعل عسى واخْلَوْلَقَ وأَوْشَكْ، واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها. هذا على القول بأنها تامة.

وهذا متى -الإعراب هذا التفسير هذا-؟ إذا لم يل الفعل الذي بعد (أن) اسم ظاهر يصح رفعه به، فإن وليه: عسى أن يقوم زيد، حينئذٍ زيد إذا جاء في مثل هذا التركيب: عسى أن يقوم زيد، زيد يحتمل أنه فاعل ليقوم، ويمكن أن نجعله اسماً لعسى، يحتمل هذا ويحتمل ذاك.

فذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعاً بالفعل الذي بعد (أن)، فـ (أن) وما بعدها فاعل لعسى وهي تامة ولا خبر لها، ليس فيه جديد.

وذهب المبرد والسيرافي والفارسي إلى تجويز ما ذكره الشلوبين، وتجويز وجه آخر: وهو أن يكون ما بعد الفعل الذي بعد (أن) مرفوعاً بعسى اسماً لها، وأن والفعل في موضع نصب بعسى، وتقدم عن الاسم والفعل الذي بعد (أن) فاعله ضمير يعود على فاعل عسى، وجاز عوده عليه وإن تأخر لأنه مقدم بالنية.

إذا قلت: عسى أن يقوم زيد، فزيد هذا يحتمل أنه فاعل ليقوم، والمسألة هي المسألة: عسى أن يقوم، عسى أن يقوم زيد لا إشكال فيه، حينئذٍ اكتفي بـ (أن) وما دخلت عليه بكونه فاعلاً لعسى، فهي تامة.

وجوَّز المبرد وغيره ما ذهب إليه الشلوبين، ووجهاً آخر: وهو أن يكون زيد –الظاهر- اسم عسى، وأن يقوم هو الخبر تقدم -توسط بين الفعل والاسم-. عسى أن يقوم زيد، عسى أن يقوم، أن يقوم: هذا خبر مقدم، وزيد هذا اسم عسى، وسبق: هل يجوز توسط الخبر إذا كان مقترناً بـ (أل)؟ قلنا: إذا اقترن بـ (أل) ففيه وجهان: الجواز والمنع، وإذا خلا من (أل) فالجواز مطلقاً، وحينئذٍ نحتاج إلى التخريج في مثل هذا.