((إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)) [الطور:٢٨](إِنَّه) قرأ نافع والكسائي بالفتح: أنه غفور رحيم، أنه هو البر الرحيم، على تقدير لام العلة: لكونه براً رحيماً، ((إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)) [الطور:٢٨] قرأ نافع والكسائي بالفتح على تقدير لام العلة: لأنه هو البر الرحيم، فنقدر المصدر ماذا؟ لكونه براً رحيماً، والباقون بالكسر: إنه هو البر الرحيم على أنه تعليل مستأنف، ومثله:((وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)) [التوبة:١٠٣] ولذلك عند الأصوليين قاعدة: أن (إنَّ) بعد الأمر والنهي والخبر للتعليل، من مسالك العلة:(إنَّ) بعد الخبر والنهي والأمر تفيد التعليل. ((وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)) [التوبة:١٠٣] وَصَلِّ: هذا أمر، لأن صلاتك، فهذه الجملة جملة تعليل.
السادس: أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه، أن تقع بعد واو وهذه الواو مسبوقة بمفرد يصلح أن يعطف عليه، مثاله قوله:((إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى)) [طه:١١٨] * ((وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى)) [طه:١١٩] وَأَنَّكَ: سبقت بواو يجوز عطفها على المفرد السابق، فيجوز فيها الوجهان، قرأ نافع وأبو بكر بالكسر إما على الاستئناف، أو بالعطف على جملة (إنَّ) الأولى بالكسر، والباقون بالفتح على:((أَلَّا تَجُوعَ)) (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر ألا تجوع، و (لا) هذه لا تفصل بين (أن) وتجوع، يعني: لا تمنع من سبك المصدر بما بعده، أَلَّا تَجُوعَ، يعني: جوعك، فحينئذٍ نقول: هذه (لا) لا تمنع سبك (أن) مع ما بعدها، فهو في قوة المصدر، فكأنك عطفت على هذا المفرد.
السابعة: أن تقع بعد (حتى)، وحتى لها اعتبارات، بعد حتى، ويختص الكسر بالابتدائية، إذا جاءت (حتى) للابتدائية حينئذٍ تعين الكسر بعدها، نحو: مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه، حتى: هذه ابتدائية، والفتح بالجارة والعاطفة: عرفت أمورك حتى أنك فاضل، حتى أنك بالعطف، إذا قدرنا (حتى) عاطفة فحينئذٍ يفتح ما بعدها وجوباً، وإذا قدرناها جارة فتح ما بعدها؛ لأنها لا تدخل إلا على المفرد، (حتى) من خواص الاسم، يعني مثل باء الجر وحينئذٍ تجر ما بعدها، ولا يكون ما بعدها جملة، بل لا بد أن يكون مفرداً.
ثامناً: أن تقع بعد (أما)، نحو: أما إنك فاضل، فالكسر على أنها حرف استفتاح مثل (ألا)، والفتح على أنها بمعنى: أحقاً، أما، بمعنى: أحقاً.
التاسع: أن تقع بعد (لا جرم)، ((لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ)) [النحل:٢٣] وهذا الغالب فيها الفتح، وجرم هذه عند سيبويه فعل ماض، و (أن) وصلتها فاعل، و (لا) صلة. جرم: فعل ماض، و (لا) صلة يعني زائدة، مثل: لا أقسم، (لا) هنا زائدة جيء بها للتأكيد، ومثلها: لا جرم.
وعند الفراء أن (لا جرم) بمنزلة: لا رجل، ومن مقدرة من بيان الجنس، ومعناها: لا بد ومن مقدرة بعدهما، والكسر تنزيلاً لها منزلة اليمين: لا جرم ليأتيني زيد، أو لأن يأتيني زيد، لا جرم ليأتيني زيد وحينئذٍ قدرت بكونها قسماً.