للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مثاله: يقال الفرس حيوان، حيوان هذا جنس يصدر على كثيرين آحاد أفراد كثيرة متفقة في الحقائق أو مختلفة؟ مختلفة في الحقائق، لماذا؟ لأنه يصدق على الفرس، ويصدق على الإنسان، ويصدق على الثعبان، ويصدق على الجرادة، ويصدق على الدجاجة، ويصدق على الماعز والإبل .. كلها حيوان. هذه آحاد وهي متفقة في الحقائق أو مختلفة؟ مختلفة حقيقة الإنسان مغايرة لحقيقة الفرس، وحقيقة الفرس مغايرة لحقيقة الحمار ونحو ذلك، فحينئذٍ نقول: هذه حقائق مختلفة، صدق عليها لفظ واحد مشترك بينه وهو لفظ حيوان، حيوان هذا نقول: جنس، مقول كلي، -فَمُفْهِمُ اشْتِراكٍ- كلي مقول يعني: محمول على كثيرين فرس، وحيوان، إنسان إلى آخره مختلفين بالحقائق. إذاً حقائقه مختلفة بجواب (ما هو؟).

وإن شئت قل: الجنس هو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها، فالحيوان جزء ماهية الإنسان يصدق على الإنسان وعلى غيره وهو الفرس مثلاً، والحيوان جزء ماهية الفرس يصدق عليه وعلى غيره كالإنسان، وهَلُمَّ جَرَّا.

وأما لفظ إنسان هذا له حقائق .. حقائق لكنها متفقة لا مختلفة، يعني إذا قيل: زيد إنسان، وعمرو إنسان، وخالد إنسان .. إذاً حمل على كثيرين كما أن حيوان حمل على كثيرين، إلا أن حيوان حمل على كثيرين مختلفة في الحقائق، حقيقة الإنسان مغايرة لحقيقة الثعبان ونحو ذلك.

وأما زيد وعمرو وخالد، فهذه حقيقتهم واحدة، وأما ما يكون من الأعراض والصفات هذا ليس داخلاً في الحقائق، يعني كونه طويلاً، وكونه أسمر، وكونه أبيض .. هذه صفات ليست هي في حقيقة الإنسان وإنما شيء مغاير له، بمعنى أنه عرض يمكن وجود الإنسان بدونه، فحينئذٍ نقول: الجنس الذي أراده النحاة هنا هو الجنس الذي عند المناطقة وهو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها، وكذلك هو كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب (ما هو؟).

"لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس.

بعضهم عبر عنها بأنها (لا) التّبرِئَة، التي تبرئ اسمها عن حكم الخبر.

"لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس: هذا اختصار، -اختصار في التعبير-، والواقع أنها نافية لحكم الخبر عن الجنس؛ لأن الجنس هذا معنى، والنفي معنى، وحكم الخبر معنى، والاسم الأصل فيه أن يكون ذاتاً.

حينئذٍ يرد السؤال: ما الذي ينفى؟ هل الذي ينفى الحقائق أم الذوات؟ لا شك الأول هو الذي يتسلط عليه النفي، حينئذٍ إذا قيل: لا رجل في الدار، ما الذي يراد نفيه بهذه الجملة؟ هل وجود شيء اسمه رجل في الدنيا أم المراد نفي كينونة الرجل في الدار؟ إذاً شيء خارج عن ذات الرجل، فليس المراد بقولنا: لا رجل في الدار نفي شيء اسمه رجل! لا، إنما المراد نفي صفة اسم (لا)، وهو الكينونة والوجود والثبوت في الدار كما سيأتي.

إذاً: "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس نقول: هذا اختصار، والواقع أنها نافية لحكم الخبر عن الجنس؛ لأن النفي (لا) يتسلط إلا على الأفعال ونحوها، ولا يتسلط على الذوات.

ويقال لها: (لا) التّبرِئَة؛ لأنها تبرئ الجنس من حكم خبره، برأت الجنس وهو رجل من حكم الخبر وهو الكينونة في الدار.

"لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس: أي: لنفي الخبر عن الجنس الواقع بعدها نصاً.

لنفي الخبر يعني: حكم الخبر عن الجنس.