للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظى بِحاجتِهِ ... ومُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبوابِ أَنْ يَلِجا

أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ: مثلها، وكذلك الغالب في فاعل كَفَى: ((وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) [النساء:٧٩]، ((وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا)) [النساء:٤٥]، كَفَى فاعلها في الغالب، وهذه زيادة ليست بلازمة؛ لأنه سمع انفكاكها عنه، كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، كَفَى بِاللَّهِ، الباء حرف جر زائد، ولفظ الجلالة فاعل كَفَى مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، هل الزيادة هذه لازمة؟ نقول: لا لأنه سمع تجريده من الباء:

كَفَى الشَّيْبُ وَالإسْلاَمُ لِلمرْءِ نَاهِيَاً: كَفَى الشَّيْبُ: بالاسم الظاهر دون باء، دل على أنه يجوز تجريد فاعل كفى عن الباء، وشذَّ جر الفاعل بالباء فيما عدا أفعِل في التعجب وفاعل كفى:

(أَلَمْ يَأْتِيْكَ والأَنباءُ تَنمِي ... ... ... بَمَا لاقَتْ لَبُونُ بني زِيَادِ)

والأَنباءُ تَنمِي، بما (ما) فاعل دخلت عليه الباء، لكن هذا شاذ، يعني: يحفظ ولا يقاس عليه، بخلاف فاعل كَفَى، وفاعل أَسْمِعْ.

ومن الزيادة غير اللازمة، زيادة (مِن): ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:١٩]، بَشِيرٍ هذا فاعل لجاء، وجر بـ (من) الزائد، صلة توكيد، حينئذٍ نعرب بَشِيرٍ فاعل مرفوع ورفعه ضمه مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

إذاً: يجر الفاعل بـ (مِن) الزائدة، وهذه (مِن) التي هي لبيان الجنس يشترط فيها أن لا تكون إلا بعد نفي أو شبه نفي، وهذا سيأتي في باب حروف الجر، لكن نستفيد هنا: إذا عطف على الفاعل المجرور بهذا الحرف، حينئذٍ يراعى فيه محلان: محل الرفع ومحل الجر، مثلما ذكرناه في قولهم: لا رجلا، حينئذٍ يجوز الرفع على محله، حتى يجوز في تابعه الجر حملاً على اللفظ، والرفع حملاً على المحل: ما جاءني من رجل كريمٍ، وكريمٌ، ما جاءني من رجلٍ كريمٍ بالجر، تبعاً للفظ، وكريمٌ باعتبار المحل، مثل: لا رجلَ ظريفاً، وظريفٌ.

فإن كان المعطوف معرفة تعين رفعه، ما جاءني من عبدٍ ولا زيدٌ، لا يصح ولا زيدٍ، لماذا؟ لأن العطف على مجرور (من)، ومجرور (من) الزائدة هنا لا يكون إلا نكرة، وحينئذٍ يتعين أن ينظر فيه إلى اللفظ.

إذاً: الأصل في الفاعل أنه مرفوع، ثم قد يخرج عن الرفع لسبب من الأسباب المذكورة، منها ما هو قياس، ومنها ما هو ليس بقياس، وما ليس بقياس قد يكون شاذاً، كما في نصبه، أو أن يزاد عليه حرف وليس في المواضع التي حفظت في لسان العرب، وذلك كما في أفعِل التعجب، وكفى، وكذلك زيادة من، ذاك في الباء، وهذا في زيادة (مِن).